على لسان روان ياغي: "إذا كان لديكِ الشغف لبناء السلام، فسيصير جزءًا منك. لا يعود مجرد دور – يغدو أسلوب حياة."

التاريخ:

روان ياغي، 49 عامًا، هي صانعة سلام وعاملة في مجال التربية من بعلبك، في لبنان. انطلاقًا من خلفيتها في مجال السياسات العامة والمشاركة المدنيّة، أسست منظمة USPEaK المحلية التي تعمل على تمكين النساء والشباب وتعزيز الحوكمة الشاملة في المجتمعات المهمشة في لبنان. بصفتها عضوًا في شبكة نساء فاعلات في بناء السلام في لبنان، والمدعومة من هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ساهمت روان في فتح الطريق أمام مئات النساء في المناطق المختلفة في لبنان ليكون لهن دور في القيادة وبناء السلام وتشكيل مستقبلهن. 

Rawan Yaghi

روان ياغي، خلال تدريبها للنساء والفتيات على حل النزاعات. الصورة: USPEaK

"نشأتُ في بعلبك خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). لكنني لم أكن بحاجة إلى العودة إلى الكتب المدرسية لأفهم معنى الصراع – فقد كان أمام باب منزلنا. كانت تُطلب كثيرًا مساعدة والدي – وهو وسيط مجتمعي يحظى بالاحترام –بغية حل النزاعات بين العائلات. هذه التجربة شكّلت رؤيتي للعالم، وجعلت السلام أمرًا شخصيًا بالنسبة لي.

مع تقدمي في العمر، بدأت أبحث عن الفرص لعقْد الحوارات، أولاً في الجامعة (حيث تخصصت في التربية)، ثم من خلال برامج التبادل ومجموعات الحوار. أتذكر أنني كنت أستقل سيارة أجرة مرتين في الشهر من بعلبك إلى بيروت (حوالي 88 كم) لحضور اجتماعات لبناء السلام – ضمن مبادرة منظمة "إعادة التسلح الأخلاقي"، التي جمعت أشخاصًا من خلفيات مختلفة تمامًا للحديث عن الحرب والمسامحة والتعافي. لم تكن تلك النقاشات سهلة دائمًا، لكنها كانت قَيمة جدًا بالنسبة لي. ذلك أني تعلّمت هناك كيف أصغي بصدق – أن لا أجادل، بغية أن أفهم. 

مع مرور الوقت، كنتُ مصممة على تحويل شغفي إلى هدف. أصبحت مدربة في حل النزاعات، وتابعت دراسة السياسات العامة في جامعة مينيسوتا. شاركت في تأليف مواد للتربية المدنية تدمج بين تعليم اللغة والحقوق والحوار وبناء السلام. وفي النهاية، قادني هذا العمل إلى التعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة والانضمام إلى شبكة نساء فاعلات في بناء السلام في لبنان[1] – وكان ذلك نقطة تحول في مسيرتي.

كانت شبكة نساء فاعلات في بناء السلام، وما زالت، مساحة حيث أرى نفسي في نساء أخريات – على رغم من أن واقع كل واحدة منهن مختلف، لكننا جميعًا نعمل من أجل السلام. أعطى انضمامي إلى هذه الشبكة شكلًا وهدفًا لما كنت أؤمن به. واليوم، كل برنامج في إطار USPEaK – التي أسستها عام 2009 يتضمّن – بالاستناد إلى نشاطي في تمكين النساء عبر التعليم والحماية وريادة الأعمال والمشاركة السياسية –عنصرًا عن السلام أو القيادة أو التماسك الاجتماعي. لم يعد ذلك موضوعًا جانبيًا، بل أصبح جزءًا من هويتنا.

ومن أبرز ما أفتخر به هو إنشاء أكاديمية بناء السلام للشابات في بعلبك، المبنية على قناعة أن الشابات لا يجب أن ينتظرن إذنًا لقيادة التغيير. قدّمنا لهن الأدوات والثقة والبيئة الملائمة، واليوم هنّ ينظّمن الحوارات ويطلقن المشاريع ويغيّرن العقليات.

 

Rawan Yaghi

روان ياغي خلال جلسة مع الجيش اللبناني – في إطار ربط النساء بقطاع الأمن والسلام. الصورة: USPEaK

من خلال USPEaK، تعاونت مع 90 مدرسة في جميع أنحاء لبنان في أنشطة لبناء السلام، ودربتُ أكثر من 700 امرأة على قرار مجلس الأمن 1325، ودعمت حملات انتخابية لتسع نساء فزن بعضوية المجالس البلدية. كما أنشأنا جسورًا للتواصل بين النساء والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي – ما أدى إلى تقدّم 29 امرأة للالتحاق بهذين الجهازين الأمنيين، وقُبل ثلثهن.

ومع ذلك، ما يبقى في ذاكرتي خصوصًا هو قدرة وقوة النساء والشباب والشابات في بعلبك. أحلامهم، وجهودهم، وكرامتهم… كل ذلك يجعلني أشعر بالتواضع كل يوم. تبدأ القيادة، بالنسبة لي، بالتعاطف. إنها تعني بالنسبة لي أن تقف إلى جانب الناس، لا أن تتعالى عليهم.

وللشابات اللواتي يخطون خطواتهن الأولى في القيادة، نصيحتي واضحة: لستِ بحاجة لأن تكوني صاخبة لتكوني قوية. عليك فقط أن تحضري – بكامل قواك وصدقك، متسلحة بالإيمان بأن السلام ليس فكرة مجردة. إنه يُبنى في المساحات التي نخلقها، وفي القصص التي نرويها، وفي الأرواح التي نلمسها.

لبنان مليء بالتحديات، نعم – لكنه أيضًا مليء بالفرص. إذا كان لديكِ الشغف لبناء السلام، فإنه فسيصير جزءًا منك. لا يعود مجرد دور – يغدو أسلوب حياة. وإذا شعرتِ أن هذا طريقك، فاتبعيه. السلام ليس مشروعًا، بل ممارسة يومية. وصوتُك مهم أكثر مما تتصورين."


[1] تضم شبكة نساء فاعلات لبناء السلام في لبنان مجموعة من صانعات السلام الملتزمات ببناء سلام شامل ومستدام. تهدف الشبكة إلى تسليط الضوء على إسهامات النساء في بناء السلام في لبنان، وتعزيز القدرات القيادية لعضوات الشبكة ومشاركتهن الفاعلة من خلال التعلم وتبادل الخبرات والتشبيكHome – العربية - WPNLEB