في أعقاب انفجار بيروت، يحتاج لبنان رعاية صحية ونفسية على نحو عاجل

قدم مركز ريستارت لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف وهو منظمة غير حكومية وأحد شركاء هيئة الأمم المتحدة للمرأة على الأرض، العلاج والدعم النفسي الاجتماعي والأدوية للفئات الأكثر ضعفًا.

التاريخ:

منذ انفجاري 4 آب/ أغسطس اللذين هزّا لبنان، و أسفرا عن 220 ضحيّة وأكثر من 6500 جريح، قامت مجموعات من المتطوعين والمتطوعات والجمعيات غير الحكومية بتأمين الحاجات اللازمة جدًا، من تقديم الوجبات الساخنة إلى تنظيف الأحياء المتضرّرة.

يقدّم مركز ريستارت لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف، وهو شريك هيئة الأمم المتحدة للمرأة على مستوى البرامج ضمن مشروع "التعامل مع الماضي"، المموّل من صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، رعاية نفسية واجتماعية وعقلية لعائلات المفقودين والمفقودات خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. مباشرة بعد الانفجارات، بدأ مركز ريستارت لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف في تطوير خطة استجابة مصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات المحددة للأشخاص المتضررة من تفجيرات بيروت.

يقول منسق المشاريع فادي مارتينوس "أجرى فريق متعدد التخصصات من مركز ريستارت لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف زيارة ميدانية لرسم خريطة لاحتياجات الأفراد المتضررة على المستويين الصحي والنفسي".

"في الأسبوع التالي، نصب مركز ريستارت لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف الخيم في مار مخايل، وفي مدارس المقاصد والحكمة" حيث قدم فريقه الخدمات لـ40 إلى 50 شخصًا يوميًا، وكان 49% من المستفيدين من النساء.

يضيف "كانت مشاريع القطاعات التي لا تهدف إلى الربح تتغير باستمرار بسبب الجائحة والأزمة الاقتصادية والمالية، والآن بسبب الانفجار أيضًا. إن التواصل المستمر بين المنظمات غير الحكومية والمنظمات الشريكة لها ووكالات التمويل [أمر بالغ الأهمية] من أجل [التأكد من أن] الخدمات تلبي احتياجات الفئات الأكثر ضعفًا".

يتكون فريق ريستارت من علماء للأطفال وأطباء في مجال الطب النفسي وأطباء أعصاب، إلى جانب فريق من المتخصصين والمتخصصات في علاج النطق والمعالجين والمعالجات فيما يخص العلم النفسي الحركي ومعلمين ومعلمات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال التي تطلب خدمات الصحة النفسية المتخصصة.

هناك حاجة ماسة لهذه الخدمات المتخصصة للأطفال والأسر التي تتعافى من صدمة الانفجارات.

 
ماريان شمعون، ممرضة رئيسية في "ريستارت". حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

"أتذكر امرأتين (في العقد السادس) كانتا محجوزتين في منزليهما في زقاق صغير، وغير قادرتين على الخروج والحصول على المساعدة الطبية. كان الزقاق مهجورًا تمامًا، كانتا على الشرفة وعندما رأيانا بدأتا بالصراخ لجذب انتباهنا. وصلنا إليهما عبر مخرج الحريق في المبنى ... كانتا مصابتين بجروح متعددة وكدمات شديدة في اليدين والرجلين ".

"عندما وصلتُ إلى الشرفة، كان أول شيء أقدمتا عليه هو معانقتي بشدّة والتوسل إليّ لعدم تركهما وحدهما. كانت تلك اللحظة من أصعب اللحظات في مسيرتي. قدّمنا لهما الإسعافات الأوّلية وتواصلنا مع الصليب الأحمر اللبناني لتقديم خدمات الإسعاف والدعم الطبي الطارئ.

تشرح شمعون أهمية الخدمات المقدّمة من "ريستارت"، ومن ضمنها توزيع الأدوية التي تمنع تدهور الحالات المرضية المزمنة.

تعالج الفرق الطبية أيضًا الجروح وتقدّم استشارات عامّة للأشخاص الأشد ضعفًا ممن لا يتسنى الوصول لهم إلى الرعاية الصحية.

"خلال الأزمات السابقة، كنت أذكّر نفسي دائمًا بما تعلمّناه كممرضات، أي تمكين ودعم الضعفاء. ومع ذلك، [في أعقاب الإنفجارين]، وجدت صعوبة في أن أظلّ إيجابية. بفضل إفادتي من قليل من الاستشارة النفسية، أشعر بأمان أكبر وبالاستقرار."

عالميًا، تشكل النساء 70% من الطواقم العاملة في المجال الصحي، وفي وقت الأزمات، تتحمل النساء العبء الأكبر الناتج من الصدمة.

والحال أن لبنان ليس مختلفًا، فالنساء المتضررات من الانفجار، بالإضافة إلى النساء اللواتي يخدمن مجتمعاتهن على مرّ الأزمة، يحتجن إلى الدعم.

 

جويل وهبة، أخصائية نفسية للأطفال في "ريستارت". حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

تقدّم جويل وهبة، 39 عامًا، العاملة في الصفوف الأمامية أيضًا، الدعم النفسي الاجتماعي للأشخاص المتضررة من الانفجار، كما تقوم بإجراء تقييمات نفسية للأطفال ذوي الحاجات الخاصة.

ووفقًا لجويل "يعاني الناس الكثير من الحزن والغضب والخوف والقلق ويعاني البعض من فقدان الأمل وعدم إيجاد وسيلة للتحدث والتعبير عن المشاعر، ممّا يفاقم الإحساس بالقلق. يحتاج الناس إلى الشعور بأننا هنا من أجل هؤلاء الناس، وأن هناك شخصًا موجود للتحدث معه أو معها للاستماع والتضافر في هذا الوقت الصعب".

ليزا ايفازيان، وهي معلّمة لغة انجليزية للصف الأوّل، وتبلغ 53 سنة من العمر، كانت تعيش مع والدتها البالغة 80 سنة من العمر في مار مخايل عند وقوع الانفجار.

"كنت أزور صديقتي في الشارع نفسه. سمعنا الانفجار الأوّل وظننّا أنها طائرة مسيّرة. ركضت على الفور لألتقط هاتفي وأتفقد أمي. عندما وقع الانفجار الثاني كنت أتحدث معها عبر الهاتف وأطلب منها بالبقاء داخل المنزل بعيدًا عن الشرفة." تتذكّر ليزا.

لم تصب والدة أيفازيان بأذى، في حين أصيبت صديقتها.

بينما كانت ليزا تجلب الأدوية لوالدتها من خيمة ريستارت، أقرّت بأنها أيضًا ستحتاج إلى دعم نفسي، في نهاية المطاف.



ليزا أيفازيان، معلّمة لغة انجليزية تضررت من انفجار بيروت. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

تقول ليزا "لا أستطيع التحدّث أو التفكير، لا أشعر بشيء، ولا أعرف ماذا أريد الآن، لا نزال في حال صدمة. ظنّنا أن ما حصل كان كابوسًا"

تقول راشيل دور-ويكس، رئيسة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان "حدث انفجار آب في ظل أزمة عميقة في لبنان -أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية – كانت بدأت نتائجها تؤثر في الناس نفسيًا وجسديًا. ضاعف الانفجار هذا التأثير، وأعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية".

تضيف دور-ويكس "نظرًا إلى أن 50 في المئة من سكان المنطقة المتضررة من الانفجار هم من النساء، وإلى أن العديد من المسنّات يعشن بمفردهن، نعمل مع النساء والمجتمعات المحلية في المنطقة لتسهيل الوصول إلى تقديم المشورة بشأن الصدمات. يبدأ هذا من خلال العمل على بناء الإدراك بأنه وإلى جانب الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء، فإن الاستشارة النفسية والاجتماعية ضرورية للتعافي."

بالنسبة لعبد السلام عارف إبراهيم ، وهو لاجئ سوري يبلغ 67 عامًا وأب لطفلين، إن الاحتياجات أكثر إلحاحًا من المتوقع.

كان يعمل في أحد المخابز في مار مخايل مع أبناء عمومته خلال التفجيرين فأصيبوا بحروق.

لقد فقدوا الآن المخبز، وهو مصدر دخلهم الوحيد. يسأل عارف إبراهيم بألم "ليس لدينا دخل ولا يمكنني العمل في حالتي هذه. كيف سأدفع الإيجار في حين لا يعمل أحد منّا؟".



عبد السلام عارف ابراهيم، لاجئ سوري تضرر من انفجار بيروت. حقوق الصورة محفوظة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة/ دار المصور.

بينما يتلقى المساعدة الطبية من ريستارت، يشير إلى احتياجات ضرورية أخرى أي المساعدات النقدية العاجلة والدعم الاقتصادي ومن شأنهما أن يصيرا شريان الحياة بالنسبة للعاملات والعاملين الفقراء والمجموعات الأشد ضعفًا.

تسبب إنفجارا بيروت بإحداث صدمة في المنطقة والعالم. تُرك مئات الآلاف من الأشخاص بلا مأوى، وبالنسبة إلى النساء اللواتي يتعرضن للعنف أصبح الوصول إلى الدعم عرضة للخطر. تعمل "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" على أرض الواقع، للتأكد من وصول النساء والفتيات إلى المساحات آمنة، ولتقديم المشورة، والمنتجات الصحية، ودعم سبل العيش. 

الرجاء التبرع بما أمكن اليوم.