حان الوقت للعمل على الإصلاحات الاقتصادية... المساواة بين الجنسين هي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الذكي

التاريخ:

 ]مقال رأي مشترك بين دول الشمال الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بشأن إصلاحات صندوق النقد الدولي وتحقيق المساواة[

 

تنمو الاقتصادات عندما تعمل المرأة. يحظى لبنان بمجموعة مميزة من النساء المتعلّمات والموهوبات. إن تمكينهن من المشاركة على قدم المساواة في التعافي الاقتصادي يقدم فرصةً لا يمكن للبنان تفويتها، فهذا الأمر من ضمن الاقتصاد الذكي.

 

لقد أوصلت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبنان إلى حافة الانهيار التام، كما أدّت إلى تعميق الفوارق واتساعها في بلد كان بالفعل من أكثر البلدان التي تعاني من عدم المساواة في العالم.[1] تجدر الإشارة إلى أن أكثر المتضررين من هذه الأزمة هم النساء والأطفال في المجتمعات الفقيرة والضعيفة. إن مستويات أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، في ما يخصّ النساء، آخذة في الارتفاع، كما أن النساء اللبنانيّات يَترُكن سوق العمل على نحو متزايد وبأعداد تفوق بكثير أعداد الرجال.[2] يبلغ معدل مشاركة النساء في القوى العاملة، ممن يبلُغن 15 عامًا  وأكثر، 24.5 في المائة، مقارنةً بمعدل 64 في المائة للرجال[3]، وهو ما يعني أن مشاركة المرأة في الاقتصاد تتراجع أيضًا قياسًا على هذا المعيار المهم للغاية.

 

في وسع برنامج صندوق النقد الدولي فقط، أن يضع لبنان على المسار الصحيح في طريق التعافي الاقتصادي. على الرغم من أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يشكل علامةً فارقةً بالنسبة للسلام والاستقرار في المنطقة، إلا أن هذا الاتفاق لن يُخرج لبنان من الأزمة الحالية دون تنفيذ إصلاحات جوهرية تشمل الإصلاحات التي دعا إليها صندوق النقد الدولي، حتى لو اكتشف لبنان كميّات من النفط والغاز أكبر من المتوقع.

 

بغية أن ينجح لبنان في تحقيق التعافي الاقتصادي، يجب منح الأعداد الكبيرة من النساء الموهوبات في لبنان فرصًا متكافئةً للمشاركة في جميع مجالات المجتمع. تُثبت الأدلة العالمية بوضوح أن المجتمعات تعمل بشكل أفضل عندما يحظى الرجال والنساء بتمثيل وتمكين اقتصادي متساويين. من الحقائق الثابتة التي لا يمكن إنكارها أن الحدّ من الفوارق بين الجنسين يساعد على زيادة معدّلات النمو الاقتصادي، وزيادة الاستقرار الاقتصادي والمرونة، وخفض نسب عدم المساواة في الدخل[4]، كما أظهرت الأبحاث أن تمكين المرأة اقتصاديّاً لا يؤثر فقط على سلامة اقتصاد الدول من خلال زيادة الإنتاجية، ولكنه يؤثر أيضًا على نتائج الصحة والرفاه للأجيال القادمة بشكل عام.

 

وبعبارة بسيطة: تنمو الاقتصادات عندما يعمل المزيد من النساء. وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية، سينمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنسبة 9% إذا جرى تقليص الفجوة في المشاركة في سوق العمل بين الرجال والنساء بنسبة 25%.[5] تجدر الإشارة إلى أن تنفيذ سياسات تسمح للمرأة بالمشاركة في الاقتصاد على قدم المساواة مع الرجل لا يتعلق فقط بالعدالة الاجتماعية، بل يساعد أيضًا على تحسين الاقتصاد، كما سيكون له أثر كبير على الاقتصاد الكلي.

 

على الرغم من التدهور السريع للوضع في لبنان، فبعد مرور نصف عام على توقيع اتفاق على مستوى الموظفين، بين فريق صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية في نيسان، لم يتم تنفيذ أيّ من الإجراءات المسبقة اللازمة لاعتماد برنامج صندوق النقد الدولي وإطلاقه. لا يمكن الاستمرار على هذا الوضع دون اتخاذ أيّ إجراءات. لقد قمنا مع زملائنا الأوروبيين بإبلاغ صنّاع القرار في لبنان –خلال عدد من اللقاءات- بالحاجة الملحة لتنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي.

 

يحظى لبنان بمجموعة من النساء المتعلّمات والموهوبات والذكيّات، وهنّ مستعدات للمساهمة في التعافي الاقتصادي وفقًا لبرنامج صندوق النقد الدولي. والحال أننا نلتقي بالعديد منهن يوميًا.

 

إن تحقيق الانتعاش الاقتصادي هو مهمّة صعبة للغاية، ولكنها ضرورية في الوقت  عينه. هناك خطوات ملموسة من شأنها أن تساهم بشكل كبير في الحد من عدم المساواة وتحفيز النمو:

 

أولًا: خطة التعافي الاقتصادي الشاملة هي أحد الشروط الأساسية التي يطلبها صندوق النقد الدولي، فخطة التعافي المستجيبة للنوع الاجتماعي يجب أن تشمل ضخّ استثمارات وطنية في الحماية الاجتماعية من أجل سدّ الفجوات بين الجنسين وتعزيز حماية العمال/العاملات النظاميين/النظاميّات وغير النظاميين/النظاميّات، من شأنها أيضا أن توسع وتمدّد التسهيلات الائتمانية للشركات المملوكة للنساء.

 

 ثانيًا:  نحثّ مجلس النواب على معالجة التشريعات التي تميّز بين الجنسين من أجل توفير إطار قانوني يعزز المساواة بين الجنسين. يشمل هذا تعديل قوانين العمل والضمان الاجتماعي للتصدّي للتمييز القائم على النوع الإجتماعي. ومن الأمثلة على التمييز (1) الحقوق المتعلّقة بملكية الأراضي والموارد الطبيعية، و(2) منع النساء من العمل في العديد من القطاعات، و(3) عدم السماح للنساء بالعمل ليلًا وفي قطاعات معينة.

 

ثالثًا: تعاني المرأة من التمثيل المتدنّي والحرمان من المشاركة في المشهد السياسي الحالي إلى حد كبير. لقد أوصت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات –في أعقاب الانتخابات البرلمانية في  أيار- بتحديد حصص للجنسين من أجل الحد من الحواجز التي تحول دون مشاركة المرأة وزيادة مشاركتها في المشهد السياسي. إن تحديد حصص للجنسين في الانتخابات البلدية المقبلة المقرر إجراؤها في  أيار 2023 سيمثل خطوةً مهمةً.

 

إن لبنان مهمّ بالنسبة لنا نحن – بلدان الشمال الأوروبي وممثلي الأمم المتحدة. نتشارك الثقة بقدرة لبنان على تحقيق الديموقراطية، ونتمنى أن ينعم لبنان بالازدهار كي يتمتع جميع المواطنين –رجالًا ونساءً- بفرص متساوية للمساهمة في المجتمع. إن سدّ فجوة عدم المساواة هو وسيلة فعالة لتحقيق التعافي الاقتصادي، فضلًا عن كونه هدفًا مهمًا بذاته، فهذا الأمر من  ضمن الاقتصادات الذكيّة ويقدم فرصةً لا يمكن للبنان تفويتها.

 

لا ينبغي للبنان أن يتأخّر أكثر في اتخاذ الإجراءات الضرورية، آن الأوان للتحرّك. يجب علينا أن نضمَن لجميع النساء والفتيات – حتى أكثرهن ضعفًا - الحصول على دخل والحصول على عمل لائق والتمتّع بالسلطة الاقتصادية لتمكينهن من الوصول إلى الأصول والموارد. ونحن – بصفتنا أصدقاء للبنان وشعبه - وددّنا إيصال هذه الرسالة العاجلة انطلاقًا من خشيتنا من الانهيار التام لبلد يعزّ علينا كثيرًا.  إنها أيضاً رسالة أمل في الوقت عينه نوضح من خلالها إمكان تحقيق مستقبل أفضل للبنان، مستقبل  يكون أكثر مساواة أيضاً. يبدأ كل ذلك مع شروع لبنان في تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي وتمكين المرأة من المشاركة على قدم المساواة في التعافي الاقتصادي.

 

سفير الدنمارك - كريستوفر فيفيكي

سفيرة فنلندا - آن مسكانن

سفير النرويج - مارتن يتيرفيك

سفيرة السويد - آن ديسمور

ممثلة مكتب "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في لبنان-  راتشيل دور- ويكس