من موقعي هذا: "للنّساء والجيل الشاب دورٌ مهم في بناء أمّةٍ مسالمة"

التاريخ:

الشاب ليصبحوا وسطاء ووسيطات لبناء السّلام بهدف تعزيز العمل على إنشاء مجتمعٍ تسوده الثّقة. وكانت لبنى قد شاركت في عام 2019 مع خمس نساءٍ أخريات في برنامجٍ للوساطة المجتمعيّة، وحازت على منحةٍ دراسيّةٍ تؤهّلها لنيل شهادة مهارة بممارسة مهنة الوساطة.

يهدف هذا البرنامج لاعتماد أكثر الوسيطات مهارةً وتأمين استمرارية شبكات الوساطة، وقد وضعته هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالشّراكة مع المركز المهنيّ للوساطة في جامعة القدّيس يوسف وبدعمٍ سخيٍّ من مؤسّسة ريبيكا دايكس وحكومة فنلندا.

توظّف لبنى عزّ الدّين معرفتها في مجال الوساطة في تعزيز الثّقة والحوار بين أفراد المجتمع في بلدة دير قانون النّهر، جنوب لبنان.الصّورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصوّر.

"كنت أتصرّف كوسيطةٍ قبل أن أعرف معنى الوساطة بوقتٍ طويلٍ. تعلّمت هذه المهارة من والدي، وهو رجلٌ معروفٌ بنزاهته ومصداقيّته وقدرته على حلّ مشاكل الآخرين. وأذكر بوضوحٍ وأنا طفلة قدوم الجيران إليه من بلدتنا وحتّى من البلدات المجاورة لطلب مساعدته في التوسط بينهم لتسوية نزاعاتهم.

ورغم تعلّمي هذه المهارة الأساسيّة، قادتني الحياة إلى مسارٍ مختلفٍ. فقد تزوّجت في سنّ السّابعة عشرة، وأصبحت أمّاً لخمسة أطفالٍ، وبدأت أعمل كمنّسقّة تربويّةٍ في مدرسةٍ محليّةٍ. وما انفكّ عملي في هذا القطاع يذكّرني بما كنت أظنّه حلمًا بعيد المنال ألا وهو استكمال دراستي والالتحاق بالجامعة.

لذلك، ما إن أعلنت بلديّة دير قانون النّهر عن إطلاق دورات هيئة الأمم المتّحدة للمرأة التدريبيّة في مجال الوساطة حتّى استيقظت الوسيطة الكامنة في داخلي – فالتحقت بالدورات على الفور.

وعلى مدى تسعة أشهر، تعلّمت مهاراتٍ أساسيّة في الوساطة، منها دور الوسيط أو الوسيط في الجهود الفعّالة لبناء السّلام. وتسنّى لي أن أمارس هذه المهارات في مجتمعي المحلّي. وأدركت، في ذلك الوقت، أهميّة تعزيز مجتمعٍ مبنيٍّ على الثّقة، يستطيع أعضاؤه إيجاد حلول سلميّةٍ لمشاكلهم من خلال الوساطة والتّفاوض.

وبعد انتهاء الدّورات التّدريبيّة، قدّمت لي هيئة الأمم المتّحدة للمرأة منحةً لدراسة الوساطة في المركز المهنيّ للوساطة في جامعة القدّيس يوسف. وهكذا، تحقّق أخيرًا حلمي بالالتحاق بالجّامعة!

وانغمستُ في تجربة تعلّم مهاراتٍ جديدةٍ في الوساطة بإرشادٍ من أساتذةٍ ملهمين، وبعد عامٍ، حصلت على شهادة مهارة بممارسة مهنة الوساطة[1]. وهذا إنجازٌ أعتزّ به كثيرًا.

ودائمًا أشرك الجيل الشاب في الجلسات، فتيات وفتيان، لأنّني أؤمن بمجتمعٍ تسوده المساواة. ويتشوّق الفتيان للحضور، ويخبروني كيف ساهمت هذه الجلسات في تغيير طريقة معاملتهم أخواتهم؛ وكيف حسّنت قدرتهم على الإصغاء.

لدى النّساء والجيل الشاب القدرة على التّوسط ويمكنهم الاضطلاع بدورٍ مهم في قيام أمّةٍ مسالمة. ولا بدّ من تمكينهن وتمكينهم باعتبارهم الجيل القادم من بناة السّلام والوسطاء والوسيطات.

لطالما حلمت بعالمٍ من المساواة، يسوده السّلام والأمن، وأعتقد أنّ السّبيل الوحيد لبناء هذا العالم هو اعتماد التّفاوض والحوار، وهاتان مهارتان ينبغي لأيّ وسيطٍ أن يتمتّع بهما.

واليوم أصبحت معروفةً مثل أبي بدوري النّشط كوسيطةٍ مجتمعيّةٍ. وعلى سبيل المثال، توسّطت حديثًا في نزاعٍ بين إحدى الأسر ومزارعٍ محليٍّ؛ وكانت الأسرة قد تقدّمت بشكوى إلى البلديّة لأنّ أبقار المزارع كانت ترعى بالقرب من منزلها فتنبعث رائحتها في أرجاء المكان. وقبل أن تتفاقم المشكلة، عرضت مساعدتي للتوسّط بين الطّرفين بحيادٍ.

فعندما يجتمع الطرفان يتسنى لكل طرف الاستماع إلى وجهة نظر الآخر: مزارعٌ من جهة تعدّ ماشيته مصدر دخله الوحيد ويعيل بها ثلاث أسر، وأسرةٌ من جهة أخرى لم تعتد الحياة في الرّيف. وبالنتيجة، تمكّن الطّرفان من التوصّل إلى حلٍّ سلميٍّ وفعّالٍ لهذه المسألة؛ فأبعد المزارع ماشيته مسافةً أكبر عن منزل العائلة، ممّا سمح لأبقاره بمواصلة الرّعي من دون التّسبّب في مزيدٍ من المشاكل.

وفي القرى والبلدات الصّغيرة، غالبًا ما تنشأ توتّراتٌ مماثلة بين الجيران وأفراد المجتمع وحتى الأسر. وهكذا، راودتني فكرة عقد جلساتٍ منتظمةٍ غير رسميّةٍ في منزلي، أوفّر فيها مساحةً للنّساء والشّباب والشابات وغيرهم من أفراد المجتمع لتعلّم الوساطة وممارستها."

بدأ عمل هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في مجال الوساطة المحلية في جنوب لبنان في أواخر عام 2018 بدعمٍ سخيٍّ من حكومة إيطاليا ثم تواصلت من عام 2019 إلى عام 2020 بدعمٍ من مؤسسة ريبيكا دايكس. وقد تمّ توسيع نطاق هذا المشروع لدعم إنشاء شبكات وساطة نسائيّة في جميع المحافظات اللّبنانيّة بدعمٍ من حكومة فنلندا. وهذا المشروع هو جزءٌ من برنامج هيئة الأمم المتّحدة للمرأة حول المرأة والسّلام والأمن الذي يسعى إلى زيادة مشاركة المرأة في منع النّزاعات وإدارتها، وفي بناء السلام.

_____________________ 

[1] حازت لبنى شهادة مهنيّة من جامعة القدّيس يوسف في عام 2019 بدعمٍ سخيٍّ من حكومة إيطاليا. وقد أنشئ هذا البرنامج التّأهيلي لضمان حصول الأشخاص الأكثر مهارةً على اعتمادٍ أكاديمي لدعم شبكات الوساطة.