من موقعي هذا: "أتعلّم كيف أحوّل غضبي إلى أمر أكثر إيجابية"

التاريخ:

خاضت عائشة حلواني، 31 عاماً، تجربة زواج حيث عانت من التحّكم وتعرّضت للإساءة واختبرت الطلاق لاحقاً. من خلال المشاركة في العرض المسرحي  "بقي حدا يخبر "، الذي أعدّته  المنظمة النسوية اللبنانية "كفى"، وهي شريكة "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، تمكّنت عائشة من بدء رحلتها الطويلة في مواجهة الصدمة التي مرّت بها وإيجاد طريقة لبناء مستقبل أكثر إيجابية.

عائشة حلواني. الصورة: هبة باف

عائشة حلواني. الصورة: هبة باف

"في سن السابعة عشرة، كنت متحمسة جداً للدخول إلى الجامعة. ولكن، بعد يوم واحد من إجرائي امتحاني النهائي في المدرسة الثانوية، تزوّجت من رجل لم أكن أعرفه جيداً. كان زوجي أحد أقاربنا البعيدين وكان يزورنا بغية التقرّب مني. عندما تقدّم بطلب الزواج لأول مرة، كان والدايّ مترددين قليلاً، لكني كنت متحمسة جداً للزواج وأقنعتهما بالقبول. ظننتُ أن هذا يعني أنني أستطيع الهروب من المنزل العائلي حيث كان كل شيء ممنوعاً. أدركتُ لاحقاً أنني كنت أنتقل من هذا الفخ إلى فخّ آخر.

كان زوجي يكبرني بعامين وسرعان ما أصبح واضحاً أنه يريد التحكّم في تحركاتي. بعد عام واحد من الزواج أنجبتُ ابنتنا. اعتقدتُ أن سلوكه سيتغيّر بعدذاك، لكن السيطرة والعنف الجسدي تصاعدا على مرّ السنين. بعد ثلاث سنوات لم يعد بإمكاني تحمل الإساءة، وطلبت الطلاق - وهو أمر غير مقبول في مجتمعنا.

عندما بدأتُ إجراءات الطلاق، انتقلتُ من منزلي الزوجي مع ابنتي إلى منزل والديّ. بعد أن أقدمتُ على ذلك توقّف زوجي عن إعالة إبنتي بعد أسبوعين فقط. بغية التمكنّ من تغطية نفقاتي، حصلت على وظيفة إلى جانب دراستي. بعد ذلك أخذ زوجي ابنتي بعيدًا عني*.

لم  أكن أملك سوى  طرق قليلة  للتعامل مع الألم الذي تسببت فيه هذه التجربة. في العام الماضي، وجدتُ  في المسرح الطريقة الصحية والعلاجيّة للتخلّص من الألم والتعامل مع ماضي. جئتُ إلى المسرح بعد مشاركتي في سلسلة من الحوارات عابرة للأجيال أعدّتها منظمة "كفى" حول ذكريات النساء إبّان الحرب الأهلية اللبنانية. تعاونَت منظمة "كفى" بعد ذلك مع جمعية "لبن" للفنون المسرحيّة لانجاز عمل مسرحي بعنوان "بقي حدا يخبر".

نُظمت الحوارات العابرة  للأجيال بين النساء اللواتي عشن الحرب وبين الفئة الشابة. عندما انخرطتُ أكثر في الحوارات مع الأجيال المختلفة، غرتُ في الماضي لمحاولة فهم سلوكيّات الأشخاص من حولي. ليس لدي أي ذكريات عن الحرب الأهليّة، لكن سماع معاناة النساء ساعدني في الربط بين أفعال والديّ والمجتمع من حولنا وبين ما مرَوا به خلال 15 عاماً من إراقة للدماء.

كانت القصص آسرة وفي الوقت عينه كان سماعها مؤلماً. شاركت إحدى النساء تجربتها وكيف أصبحت أول امرأة تقود سيارة وتتابع دروسها خارج قريتها، وهي ظاهرة لم تكن مقبولة في مجتمعها. ووصفَت امرأة أخرى اللحظات المؤلمة التي  شهدت خلالها إطلاق النار على حافلة عين الرمانة، وهو الحادث المحوري الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية.

من خلال ما  شاركنه، استطعتُ أن أرى قوة ومثابرة النساء اللواتي رفضن الاستسلام رغم  كل شيء. لم يكن هؤلاء النساء السبب في القتال، ومع ذلك فقد تأثّرن بشكل كبير من جرائه. خلال الحوارات، استمرّت النساء في دفعنا لمواصلة النضال من أجل السلام  وفي العزم عينه لتمهيد الطريق لمستقبل أفضل لنا كنساء وفتيات في لبنان.

بوحي من قصصهن، شاركتُ  إلى جانب 11 ممثلة أخرى في تطوير سيناريو المسرحية والعرض، وفي إعادة تمثيل ذكريات النساء. على الرغم من أني لم أختبر الحرب الأهلية إلا أنني بكيت في الكثير من الأوقات خلال جلسات الحوار لأني شعرت بالألم الذي عبّرت عنه النساء. كنّا  مُرتبطات كنساء، من خلال تجاربنا الجماعية المنوطة  بالألم.

منحتنا جمعية "لبن" حرية اختيار الشخصية التي أردنا تمثيلها. قررتُ اختيار دور امرأة في أواخر الثلاثينيات من عمرها تريد التحرر من محرمات المجتمع. أعتقد أنّ الدور كان مناسباً لي. المسرحيّة غيرتنا جميعاً.

أقول لجميع النساء اللواتي قد يكُنّ مررن، أو ما زلن يمررن بتجارب مماثلة، ألا يخفن، أن يأخذن زمام حياتهن وأن يطلُبن الدعم عندما يحتجن إليه وأن يؤمننّ أن ثمة أوقات أفضل قادمة. انطلاقاً من قصص النساء المتمكّنات اللواتي استمعت لها، لا ولن أتخلى عن الأمل في أنه في يوم من الأيام سيتمّ لمّ الشمل بيني وبين ابنتي."

 

عائشة حلواني هي واحدة من بين 58 امرأة إنخرطن في المبادرة الفنية المسرحية المشتركة بين "كفى" و"لبن" من خلال مشروع "التعامل مع الماضي: ذاكرة للمستقبل". يتم تنفيذ هذا البرنامج بشكل مشترك من قبل منظمة "كفى" و"هيئة الأمم المتحدة للمرأة" و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" و"مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان" تحت قيادة مكتب المنسقة المقيمة للأمم المتحدة، وبدعم سخي من صندوق بناء السلام التابع للأمين العام للأمم المتحدة.

* يخضع  لبنان لـ 15 قانوناً للأحوال الشخصية على أساس 18 طائفة معترف بها. يخضع قانون الأسرة حصرياً للاختصاص القضائي للمحاكم الدينية، مما يعني أن كل طائفة تملي القواعد المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث والحضانة الخاصة بها.  ضمن جميع الطوائف، إن النساء يواجهن عقبات قانونية عند إنهاء الزواج أو حين تتعرض المرأة للإساءة؛ بالإضافة إلى القيود على حقوقهن المالية؛ وخطر فقدان أطفالهن إذا تزوّجن مرة أخرى أو عندما تنتهي فترة حضانة الأم (التي يحددها عمر الطفل).