من موقعي هذا: " تعلمت الإقرار بأنه أنني ارتكبت خطأ، إلا أن هذا الخطأ لا يحدد هويتي."

التاريخ:

نورا العوطة تتلقى ماكينة خياطة، ضمن برنامج تدريبي للسجينات السابقات، وفّرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة و"الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل"، بدعم من حكومة اليابان. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/دار المصور-رمزي حيدر

توقعت نورا العوطة (33 عامًا) أن يكون مستقبلها قاتمًا بعد قضائها فترة من الزمن في السجن. ولكن بعد أن حظيت على الدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة والشركاء، باتت تطمح الآن إلى أن تصبح مصممة مشهورة.

طالما أحببت التصميم، وخاصة تصميم الملابس. فهوايتي المفضلة هي الرسم، وكنت أحلم دائمًا بأن أصبح مصممة أزياء مشهورة وأن أطلق مجموعة أزياء راقية خاصة بي. كنت أدير متجرًا للملابس في طرابلس لإعالة أسرتي المكوّنة من أربعة أولاد وزوجي الذي كان يعمل ميكانيكيًا. كانت الحياة تسير على ما يرام، حتى يوم إلقاء القبض عليّ ودخولي السجن. اعتادت الموظفة التي كانت تعمل في المتجر على السرقة من تجار الجملة، ولم أكن أفعل أو أقل شيئًا. ومن ثم قضيت في السجن شهرين بتهمة مشاهدة جريمة السرقة.

السجن صعب، خاصة بالنسبة للنساء. لقد دمر ثقتي ودمر الشخص الذي كنته. ظننت حياتي ستنتهي هناك. شعرتُ كأنني فقدت زوجي وأنني لن أرَ أطفالي مرة أخرى. لقد تحولت من شخص اجتماعي ومتفائل يحب الحياة ويضحك دائمًا، إلى شخص منعزل بالكامل.

أسوأ ما في الأمر هو أنني حُرمت من أطفالي، فضلُا عن تأثير سجني عليهم/ن. توقف أطفالي عن الذهاب إلى المدرسة بسبب نظرة معلميهم/ن وزملائهم/ن إليهم/ن وبسبب سماعهم/ن لأحاديث أساءت إلى عائلتنا. كان سجني صعبًا جدًا على زوجي أيضًا، لكنه لم يتركني. بالرغم من أنه رفض زيارتي في البداية، وجد في النهاية القدرة على أن يسامحني.

عندما تم الإفراج عني، تجنّبت زيارة الناس، شعرت أنهم توقفوا عن الثقة بي. قال العديد من جيراننا إنني لصة وكانوا مقتنعين بأنني سأقوم بالسرقة مرة أخرى. كنت أشعر بالكآبة. حتى أنني فكرت في الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر لمنح أطفالي الفرصة للهروب من ماضيّ في السجن.

عندما سمعت عن التدريب الذي توفّره "الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل"، اعتبرت أنّها قد تكون الفرصة التي أحتاجها لأتخطى اليأس الذي شعرت به. قمت أيضاً بتشجيع السجينات السابقات اللواتي عرفتهن خلال فترة وجودي في السجن على الانضمام إلى التدريب.

خلال التدريب، تغيرت وشعرت بأن لدي هدف. كنت أستيقظ مليئة بالحياة، وأقوم بارتداء ملابس أنيقة. علمني التدريب أن الحياة لم تتوقف لأنني كنت في السجن. تعلمت الإقرار أنني ارتكبت خطأ، إلا أن هذا الخطأ لا يحدد هويتي.

بفضل هذا التدريب، استطعت أن أستعيد جزءًا مما كنت عليه في السابق. على الرغم من أنني لم أعد أشعر بالذنب،  فأنني قلقة بشأن ابنتي البالغة من العمر 12 عامًا. أخشى أن تلطخ سمعتي مستقبلها.

كجزء من التدريب، تلقيت آلة خياطة خاصة بي، وبدأت العمل على الحصول على الوظيفة التي طالما حلمت بها، أي أن أصبح مصمّمة أزياء. أقوم بصنع فساتين جديدة من الأقمشة القديمة، وقد بعتُ بالفعل عددًا منها. أود أن أفتح مصنع ملابس خاص بي. على الرغم من أنني أكسب 10,000 إلى 15,000 ليرة لبنانية فقط لكل مهمة خياطة، أنا فخورة بنفسي، وأعلم أن هذه ليست سوى البداية لمشروع أكبر."

___________________________________________

اشتركت نورا العوطة ببرنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة الذي يستهدف السجينات الحاليات والسابقات في لبنان، والذي تم تنفيذه بالشراكة مع "الجمعية اللبنانية للإصلاح والتأهيل" - وهي منظّمة غير حكومية مقرها طرابلس- وبفضل دعم سخي من حكومة اليابان.

في أعقاب السجن، قد يكون صعبًا على نحو خاص على النساء إعادة بدء حياتهن خصوصًا وسط الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث ارتفع معدل بطالة النساء من 14.3٪ قبل الأزمة إلى 26٪ بحلول أيلول/سبتمبر 2020، وفقًا لدراسة حديثة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

يدعم البرنامج إعادة تأهيل السجينات وعملية انتقالهن من السجن إلى المجتمع. يتضمّن التدريب جلسات دعم نفسي واجتماعي بالإضافة إلى تدريب على المهارات، في الخياطة والطبخ. في نهاية التدريب الذي استمر ستة أشهر، تم تزويد المتدرّبات بالمعدات اللازمة لتمكينهن من إطلاق أعمالهن التجارية الخاصة.

تبيّن قصة نورا أهمية تحقيق هدف التنمية المستدامة الخامس حول المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؛ والهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو إلى الحد من أوجه عدم المساواة في الدخل وتلك القائمة على العمر أو النوع الاجتماعي أو الإعاقة أو العرق أو الإثنية أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك.