على لسان يوسف رفيق ملاّح: " النساء يشكّلن نصف مجتمعنا، من المهمّ للغاية أن تُسمع أصواتهن في التخطيط للاستجابة للكوارث."
التاريخ:
حقّق يوسف رفيق ملاّح، 48 عاماً، حلم حياته في أن يصبح، كمثل بطله الواقعي، عضواً في الدفاع المدني. بصفته رئيس وحدة عمليات الدفاع المدني في مركز بيروت الإقليمي، أشرف على عمليات الدفاع المدني في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020، حيث لعبت النساء مع المجتمع المدني دوراً حيوياً في إنقاذ أرواح الكثيرين.
بعد أن شهد على دور النساء في عمليات الاستجابة، باشر يوسف بالعمل على دمج قضايا النوع الاجتماعي في العمل والتخطيط المتعلّقين بإدارة الكوارث ضمن فريق الدفاع المدني المكوّن من ثماني نساء وأربعة رجال. يتم ذلك في إطار التعاون مع مشروع "مشاركة المرأة في مساءلة إدارة الكوارث" الذي تقوده "أوبيرج بيتي" وهي إحدى منظمات المجتمع المدني اللبنانية "، المشروع مموّل من صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني وحكومة ألمانيا، بدعم تقني من هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان.
يوسف رفيق ملاّح، رئيس وحدة عمليات الدفاع المدني في مركز بيروت الإقليمي. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/لورين روني
"كسائر الأطفال الآخرين، كنت أعشق الأبطال الخارقين. كان سوبرمان وغرينديزر البطلين المفضّلين لدي. كنت أحلم بأن أتمكّن من الطيران مثلهما. ذات يوم، في عام 1989، رأيتُ موكب جنازة يمرّ بمحاذاة منزلي. كان يجري تشييع محمد رستم وهو متطوع في الدفاع المدني، فقد حياته أثناء إنقاذ ضحايا تفجير في منطقة الجامعة العربية (في بيروت). قمتُ بأخذ صورة له وعلقتها إلى جانب صور سوبرمان وغرينديزر، فأصبح بطل واقعي بمثابة بطلي الخاص. وسرعان ما بدأت في إزالة صور الأبطال الخارقين الخياليين، ولم يتبقّ سوى محمد. منذ ذلك الوقت رغبتُ في التطوع في الدفاع المدني.
في البداية لم يتم قبولي في الدفاع المدني لأني كنت صغير السن وقصير القامة. لكني كنت مصمماً للغاية لدرجة أنني أقنعت ابن عمي بتحويل سيارته إلى سيارة إسعاف. خلال عامين كنا نتحرك لمساعدة مجتمعنا والاندفاع إلى مكان الحريق، لدعم الدفاع المدني، على متن سيارة إسعاف رديئة الطلاء، وذات مصباح للطوارىء مضيئ في أعلى السيارة - دفعت ثمنها أختي. هذا الأمر بالطبع لفت انتباه الدفاع المدني الذي وافق على السماح لي بالانضمام إليه. على رغم اهتمامي بالعمل الإنساني، تعلّمت مع الدفاع المدني الاعتزاز بمجتمعي وأفراده.
في فترة انضمامي إلى الدفاع المدني، كان الزملاء على اعتقاد أنه من العار أن تنضم إليهم نساء يعملن معهم جنباً إلى جنب. لطالما اعترضت على هذا الاعتقاد. أنا فخور بالعمل إلى جانب من نساء هنّ من بين أروع النساء اللواتي قابلتهن على مرّ السنوات، وكل يوم تذهلني قوتهن. النساء يُشكلن الآن ثلث عديد الدفاع المدني في لبنان، تحديداً، ثمة 94 امرأة من أصل 282 متطوعاً ومتطوعة.
أقود وحدة عمليات الدفاع المدني في مركز بيروت الإقليمي، لكن عملنا يمتد إلى البلد بأكمله. نتواجد أينما ينادينا الواجب.
في آب/أغسطس 2020 شعرت وكأن الأرض كلها ترتجف فجأة تحت أقدامي. توجهت وحدتنا على الفور إلى منطقة المرفأ. كانت المشاهد التي صادفناها من أفظع المشاهد التي رأيتها على الإطلاق. على الرغم من ذلك، بدأ أفراد المجتمعات في جميع أنحاء بيروت والبلاد على الفور في التجمع لتقديم المساعدة بأي طريقة ممكنة. هذا فاجأني. أحاط بنا نساء ورجال ووفتيات وفتيان من جميع الجنسيات والأديان ليقدموا الدعم وينقلوا الجرحى على دراجات نارية ويكنسوا الطريق ويقدموا لنا الطعام والماء. كان العطاء الذي قدموه بلا حدود، أظهر الجميع معايير إنسانية لم أتوقع أنها قابلة للتحقق.
رأيت امرأة في العقد السابع ترشدنا إلى حيث علق أحدهم داخل مبنى منهار في الأشرفية. عندما اقتربنا، فجأة، رفعَت حجراً لمساعدتنا في الوصول إلى الضحية، وهو حجر ثقيل للغاية تعاون إثنان من بيننا على رفعه لاحقاً. 30 ثانية فقط من التأخير من شأنها أن تغيّر إمكانية إنقاذ حياة شخص ما؛ ساهمت هذه المرأة في انقاذ الضحية. إنها بطلة. لو تسنّى لي العثور عليها اليوم، فسأمنحها وساماً.
في ذلك الوقت، أدركت قوة وسلطة المدنيين والمدنيات والمجتمعات المختلفة، والمنظمات، وقوى الأمن التي اجتمعت معاً للتغلب على المصاعب. أظهر ذلك ما يمكن فعله، إذا اتحدّنا. ولهذا السبب انضممتُ إلى مشروع "أوبيرج بيتي" الذي تدعمه "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" والذي يهدف إلى تسهيل الروابط بين وحداتنا والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمنظمات. يهدف المشروع إلى إدخال أصوات النساء في العمل الذي نقوم به في إدارة الكوارث. لعبت النساء دوراً حيوياً في الاستجابة لإنفجار بيروت، حينها أدركت أننا بحاجة لهن لجعل تخطيطنا للاستجابة للكوارث أكثر فعالية.
يُعدّ التمثيل المتدني للمرأة في جميع مجالات الحياة مسألة معيبة للغاية. يشكل النساء نصف مجتمعنا وأصواتهن مهمة. يعتبر هذا المشروع بمثابة نقطة انطلاق رئيسية لزيادة تثقيف فرق الدفاع المدني وغيرها حول كيفية أن نكون أكثر شمولاً وكيفية دمج أولويات واحتياجات المرأة في جميع خططنا لمساعدتنا على العمل معاً من أجل تحسين مجتمعنا وبلدنا."
تجسّد قصة يوسف رفيق ملاح الجهود المبذولة في إطار مشروع " مشاركة المرأة في مساءلة إدارة الكوارث" الذي يسهّل تدريب الدفاع المدني والأمن الداخلي/قوات الشرطة وست منظمات من المجتمع المدني لتعزيز التعاون في التخطيط لإدارة الكوارث على نحو مراعِ للمنظور القائم على النوع الاجتماعي.