من موقعي هذا: "إنّ مكافحة الوصمة الاجتماعية المتعلّقة بالدورة الشهرية أمرٌ أساسيٌ لتمكين النساء في المجتمع"

التاريخ:

في عام 2022، بلغ معدّل مشاركة المرأة في القوى العاملة في لبنان 28.7 بالمئة مقابل 67 بالمئة للرجال، ويظهر ذلك تفاوتًا كبيرًا بين المعدّلين[1]. بتمويلٍ سخيّ من حكومة أستراليا، تعاونت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع المنظمة غير الحكومية "أكتد" (Acted) لتوفير فرص عمل مؤقتة لثلاثمئة امرأة في أربع وحدات لإنتاج لوازم النظافة الصحيّة في كلٍّ من بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع. ربى ريّا هي إحدى هؤلاء النساء في محافظة البقاع. كانت تجربتها محفوفةً بالصعوبات، غير أنّها اتّسمت بتمكين الذات أيضاً.

alt text
تعمل ربى ريّا في وحدة لإنتاج لوازم النظافة الصحيّة في البقاع تابعة لهيئة الأمم المتّحدة للمرأة ومنظّمة "أكتد" غير الحكومية. الصورة: هيئة الأمم المتّحدة للمرأة / لورين روني

"أنا أمٌّ لابنتين، الكبرى بعمر 16 عامًا والصغرى بعمر 11 عامًا، واجهتُ صعوبات كثيرة في تربية ابنتي البكر تيا المُصابة بشلل دماغي. تطلّبت حالتها هذه رعاية صحيّة دقيقة، كما استلزمت منّي تحدّي المعايير الاجتماعية لتتمكّن تيا من الانخراط في المجتمع. ذقت الحلو والمرّ في حياتي، استُنزِفَت قدرتي على الصبر والصمود، ولكنّني اكتسبتُ قوّةً لا تُضاهى.

منذ يفاع تيّا، واجهتُ المعايير الاجتماعية السائدة، واصطحبتها معي أينما ذهبت مُتحدّيةً هذه المعايير. وكثيرًا ما قال لي الناس: "أتركيها في المنزل! لماذا تُصرّين على اصطحابها معك؟" ورغم ذلك، كانت ترافقني أينما ذهبتُ، واصطحبتها إلى عملي وهي على الكرسي المتحرّك، لأظهر فخري الكبير بها، وأُبَيّن أنّ حياتها وحياة مثيلاتها لا تقتصر على المكوث بين أربعة جدران.  على هذا النحو، ساعدتُ ابنتي على تقبّل نفسها والاعتراف بتفرّدها.

أشكر ربّي على نعمة ولادة ابنتي تيّا، ولكنّني لا أستطيع إنكار العذاب الذي اختبرته. لا تنفكّ تيّا تتساءل عن سبب إعاقتها، قائلةً: " لأي هدف أعطاني الله ساقيّن معطّلتين؟" فأواسيها، وأذكّرها بمدى تميّزها، وأخبرها أنّ كلّ واحدٍ منّا مختلف منذ الولادة، واختلافنا هذا هو ما يجعلنا مميّزين ومميّزات. استطعتُ إقناعها في نهاية المطاف، والحال انها ما انفكّت تطوّر قوّتها ما يزيد فخري بها.

وبحكم تجربتي الشخصيّة، قدّمت دعمي للأمّهات اللواتي يواجهنَ تحدّيات مماثلة، ذلك أنّ رعاية طفلٍ أو طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصّة قد يكون له جوانبٍ إيجابيّة، لأنّه يعزّز قدرّة المرء ويتيح له/ا رؤية الحياة من منظورٍ جديد.

علاوةً على ذلك، وجدتُ ملاذًا في مشروع هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة "أكتد" الذي يركّز على إنتاج وتوزيع فوط صحيّة أحاديّة الاستخدام. ورغم معرفتي الضئيلة بهذا المجال، تولّيتُ مهمّة الإشراف على العمل حيث حرصتً على تلبية معايير النظافة، وإدارة المخزون ودعم زميلاتي في عملهنّ.

كذلك، وجدتُ سعادة في المساهمة في مشروعٍ يُلبّي حاجة ملحّة، ويسهم في تمكين المرأة ضمن المجتمع. ومرّت ساعات العمل في الوحدة بلمح البصر، حيث انخرطنا في المسار بكلّ جوانبه، بدءاً من تصنيع الفوط الصحيّة مروراً بتعبئتها وتغليفها وصولاً إلى إرسالها للتوزيع. لن أكتفي يوماً من الضحكات التي تشاركتها والصداقات التي نسجتُها في مكان العمل.

الجدير بالذكر أنّ هذا المشروع يؤدّي دورًا أساسيًّا في تبديل المعتقدات السائدة التي تجعل الدورة الشهرية بمثابة وصمة اجتماعية. كما أنّه وفّر فرص عملٍ للنساء وثقّف الفتيات اليافعات، وأسهم أيضًا في نشر الوعي بالدورة الشهرية على نطاق أوسع. لذلك، إنّ مكافحة الوصمة الاجتماعية المتعلّقة بمفهوم الدورة الشهرية أمرٌ أساسيٌ لتمكين المرأة في المجتمع. ولهذه المبادرة آثار ملموسة، إذ تساهم في إحداث نقلة ثقافيّة نوعيّة وكسر الوصمة الاجتماعية التي لطالما أحاطت بصحّة المرأة.

من خلال قصّتي هذه، أودّ أن ألهم الآخرين والأخريات للاحتفاء بأوجه الاختلاف، وإيجاد القوّة في الشدائد وتعزيز المجتمعات التي تدعم النساء من جميع مناحي الحياة. هذا ويسهم التزام هيئة الأمم المتحدة للمرأة بمبادرات كمثل مبادراتنا بإلقاء الضوء على القوة التحويليّة الكامنة في معالجة التحدّيات المجتمعيّة على المستوى الشعبي، والمساهمة في بناء مستقبل أكثر إنصافًا وتمكينًا للمرأة على مستوى العالم.

في إطار مشروع هيئة الأمم المتّحدة للمرأة "المساعدة الإنسانية للنساء من قبل النساء: المرأة تعمل لتساهم في الحدّ من فقر الدورة الشهرية وانعدام الأمن الغذائي خلال الأزمة اللبنانية"، بالتعاون مع منظمة أكتد وبتمويل سخي من حكومة أستراليا، أنتجت ربى، إلى جانب 300 امرأة أخرى، أكثر من 64000 علبة من الفوط الصحية، وقد وزّعت نسبة منها على النساء والفتيات المحتاجات.


[1] البنك الدولي. غير مؤرخ. "موجز قطري - لبنان" بوابة بيانات النوع الاجتماعي. مستخرج في 30 كانون الثاني 2024.