المطبخ المجتمعي الدامج Access Kitchen – نساء يساعدن مجتمعاتهن ويدافعن عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

التاريخ:

Women in the backyard of Access Kitchen cutting potatoes in preparation for meals
نساء في باحة المطبخ الدامج  Access Kitchenيقطعون البطاطا لإعداد الوجبات. ©مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت/جورج روكز

نما ملاذٌ في حي هادئ بين شوارع مار مخايل المزدحمة في بيروت يُعرف باسم المطبخ الدامج Access Kitchen. هو أول مطبخ مجتمعي في لبنان تقوده وتديره مجموعة من النساء ذوات الإعاقة، يوفّر وظائف مدرّة للدخل لـ58 امرأة ويقدّم 138 وجبة ساخنة يوميّة للفئات الأكثر حاجة في المناطق المجاورة.

ما إن تدخلوا المكان حتى يختلط شذا الأحلام بأزيز الإصرار والعزيمة ليصنعا وصفة مثالية ليس فقط لمقادير الوجبات، بل لمقادير التمكين والدمج وإمكانات النساء العاملات في المطبخ التي لا تحدّها حدودٌ.

نساء من جميع الأعمار ومختلف الإعاقات، أو منهن من يقمن برعاية أفراد من أسرهن من ذوي الإعاقة، يتوافدن إلى هذا المطبخ وفي جعبة كل واحدة منهن مهارات وقصص فريدة من نوعها.

منارة الأمل والإدماج هذه هي ثمرة شراكة بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا (LUPD) أقامتها حكومة النمسا كجزء من مشروع مشترك مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بعنوان "سبل العيش في حالات الطوارئ للسكان المهمّشين/ات المتضررين/ات، في نطاق انفجار بيروت". واستمر ذلك بدعم من حكومة اليابان وحكومة أستراليا.

تمهيد المسار

Sylvana Lakkis in the Kitchen’s backyard
سيلفانا اللقيس في باحة المطبخ © الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً

بدأت مسيرة سيلفانا اللقيس لأن تصبح مناصرة لحقوق الإنسان وبصورة خاصة حقوق النساء ذوات الإعاقة في سن مبكرة. اذ تقول: "أدركت في سن مبكرة أن المصاعب التي كنت أواجهها لم تكن معارك انفرادية بل كانت مرتبطة بغياب الحقوق".

لدى سيلفانا إعاقة ناتجة عن شلل الأطفال، وهي نفسها قد تعرضت للتمييز بشكل مباشر بسبب إعاقتها. كان ظرفًا حاسمًا بالنسبة لها عندما تخرّجت من الجامعة ووجدت أن جميع أبواب العمل معدومة تقريبًا أمام الأشخاص ذوي الإعاقة. تتابع القول:"هنا وجدت نفسي وبدأت النضال".

وأصبحت سيلفانا رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا. انطلاقًا من تجربتها الشخصية وإلى جانب واقع النساء ذوات الإعاقة في لبنان، والأحكام المسبقة التي يواجهنها، وانفجار مرفأ بيروت الذي أدى إلى زيادة في نسبة الإعاقات، جعلت من تعزيز الإدماج مهمةً لها. وهكذا أبصر المطبخ الدامج النور.

وتتابع سيلفانا قائلةً: "هذا المطبخ الذي يضم نساء من ذوات أنواع مختلفة من الإعاقات ومن جنسيات وخلفيات مختلفة، هو فرصة تعبّد الطريق نحو العمل الدامج وبالتالي الاقتصاد الدامج".

وهي تسعى إلى التواصل مع النساء ذوات الإعاقة في لبنان على المستويين الشخصي والمهني؛ إما عن طريق التواصل المباشر أو من خلال مراسلة المنظمات والبلديات التي تكون على تواصل معهن، لا سيما في أعقاب انفجار بيروت.

 

دافع الإصرار

Luna Yammine, graphic designer
 لونا يمّين، مصممة غرافيك. ©مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت/جورج روكز

لونا يمّين، مصممة غرافيك مفعمة بالحيوية. لديها إعاقة حركية وقد واجهت تحديات مختلفة على مستوى المجتمع والأسرة وبشكل خاص حول المعايير الاجتماعية والجنسانية، تقول: "لقد ولدت في مجتمع يرى الأشخاص من ذوي الإعاقة كأشخاص مهمشين وهذا ما خلق لي العديد من التحديات. في مجتمعنا، النساء مستضفعات أصلًا فكيف إذا كانت النساء ذوات إعاقة".

ظلت لونا تعاني من التصورات التي ترافقها وبصورة خاصة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن فرص عمل. تقول لونا: "رفض والداي فكرة عملي بذريعة من سيوظف شخصًا مثلي".

إدراكًا منها بحقها في العمل وبدافع العزيمة والإصرار، لم تفقد لونا الأمل وظلت تبحث عن فرص عمل. حتى انضمت إلى المطبخ الدامج كمصممة غرافيك.

تُضفي لونا لمسة إبداعية على المطبخ من خلال تصميمها وإعدادها ملصقات وحملات نابضة بالحياة تعرّف على نطاق واسع بهذه المبادرة الفريدة التي لا بد لها أن تأجّج القلوب وتغير حياة أشخاص.

وهي تثبت أن إعاقتها لا تشكل حاجزًا أمام مواهبها، "من حقي أن أكون شخصًا منتجًا في هذا المجتمع".

وقد استفادت لونا من هذه التجربة على عدة مستويات، "لقد مكّنني هذا المشروع، وعزز ثقتي بنفسي، وعزّز استقراري المادي".

The project’s banner designed by Luna
 لافتة حول المشروع صممتها لونا. ©مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت/جورج روكز

وفي جهة أخرى من هذا المطبخ، تجد آية عزو – فتاة لديها إعاقة بصرية وعلمت بالمطبخ الدامج من خلال منشور على  موقع فيسبوك. وقد كان هذا أول عمل لها على الإطلاق كعاملة مطبخ. فالتزمت بمهامها وأصبح دورها أساسيًا في هذا الحيز. تقول آية: "لقد غيّر المطبخ الدامج حياتي؛ أصبحت أكثر استقلالية على الصعيد المادي وعلى صعيد تنقلي على الطرقات. يمكنني دفع رسوم دراستي الجامعية وتقديم المساعدة المالية لعائلتي".

لم تقتصر التحديات التي واجهتها آية كامرأة من ذوات الإعاقة على التوظيف، اذ تتحدث عن تحديات واجهتها في المدرسة والجامعة، وخلال تنقلها في الشوارع.

تفتخر آية بما اكتسبته من خلال هذه التجربة المؤثرة  لاسيما من خلال جلسات حول الإعاقة والحقوق المراعية للمنظور الجنساني وقوانين العمل في لبنان. "أصبحت أدرك حقوقي كامرأة من ذوات الإعاقة. أتمتع بمزيد من الثقة، يمكنني التعبير عن نفسي بدون الشعور بالخجل من إعاقتي".

Aya Ezzo chopping tomatoes
 آية عزو وهي تقطع البندورة ©مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت/جورج روكز

 

كنّ التغيير

أصبح المطبخ الدامج، الذي بدأ العمل منذ حزيران/يونيو 2022، ملتقى الصداقة والتطلعات المشتركة المبنية على تحديات النساء المشتركة. تمكّن كل امرأة عاملة في المطبخ الدامج زميلتها ويكسرن الحواجز مع مرور كل يوم. تقول آية: "لم أتبادل فقط المعرفة المتعلقة بالطهي مع النساء الأخريات اللواتي يعملن في المطبخ ولكن أيضًا أساليب مواجهة العقبات".

أما سيلفانا اللقيس فتقول: "إن تبادل التجارب بين السيدات حول كيفية تعاملهن مع التحديات على المستوى الشخصي وكيفية التوصل إلى الحلول يتحوّل إلى دروس قيمة قابلة للاستخدام من قبل الآخرين تشكل خطوة مهمة نحو تطبيق العمل الدامج. إن المطبخ الدامج هو أحد أهم الطرق لمكافحة الجوع والفقر والمساهمة في خطة النهوض بلبنان".

Three women slicing up meat
ثلاث نساء يقطعن شرائح اللحم ©مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت/جورج روكز

تختتم سيلفانا بالقول: "إلى جميع النساء اللواتي يعشن تحت ضغط التمييز والتهميش اليوم، ثقن بأنفسكن وانتزعن حقوقكن انتزاعًا. كل واحدة منكن لديها ما تقدمه للمجتمع وكل واحدة منكن بإمكانها أن تكون منتجة وفعّالة ومسؤولة. كنّ التغيير".