من بناء السلام إلى العمل الإنساني

التاريخ:

خلال الصراع الأخير في لبنان (قبل سريان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، برزت العديد من النساء كمثال قوة وأمل، وتغلبن على التحديات من خلال سلوكيات تتميز بالقيادة والتعاطف. من توفير الغذاء والمأوى للأسر النازحة إلى الوساطة في النزاعات داخل المجتمعات المتضررة، تولت هؤلاء النساء أدوارًا داعمة حاسمة.

من بينهن، تبرز الدكتورة دعد قزّي، التي نشأت في بلدة عين الأسد، برجا في قضاء الشوف. تحمل درجة الدكتوراه في القانون الجزائي وأسست جمعية الشوف للتنمية مع مجموعة من الشباب المتطوعين بعد انفجار المرفأ في آب من العام 2020.[1]

رغم أن التفويض الأساسي للجمعية كان تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمع المحلي من خلال مركز صحي وتوفير خدمات الدعم النفسي، إلا أن قزي حولت تركيز جمعيتها لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة للأفراد النازحين الذين لجأوا إلى منطقتها نتيجة الصراع، نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2024.

alt text
دعد قزّي في مركز إيواء في برجا، تشرين الثاني 2024. الصورة: منظمة إنترناشيونال أليرت

تقول: "معاناة الناس تُحطّم القلب. لا يمكنك أن تقف مكتوف الأيدي دون أن تدعم المحتاجين."

في ظل الموارد المحدودة وتصاعد العنف، عملت قزي وفريقها في 11 مركزًا للنازحين تمتد من جون إلى خلدة، حيث قدموا المساعدات والخدمات الأساسية، بدءًا من الخدمات الصحية والدعم النفسي إلى توزيع مجموعات من منتجات النظافة والملابس على النساء، مما يضمن تلبية احتياجاتهن الأساسية في خضم الأزمة، حيث وصل عدد المستفيدين إلى 8000 امرأة، بما في ذلك 3000 امرأة من المقيمات خارج مراكز النزوح.

قزي هي واحدة من 130 امرأة من صانعات السلام المدعومات من برنامج المرأة والسلام والأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة من خلال منظمة "إنترناشونال أليرت" وبتمويل من فنلندا.[2] استخدمت المهارات التي اكتسبتها في الوساطة وحل النزاعات بين الأسر النازحة والمجتمعات المحلية في منطقتها، والتي تأثرت بالتوترات الطائفية والاجتماعية. تعزز قزي الحوار، وغالبًا ما تستعين بالقواسم المشتركة الدينية والثقافية لسد الفجوات. وتوضح: "حتى عندما يبدو الأمر مستحيلًا، فإن إظهار التعاطف وتقديم التفاهم يمكن أن يحول العداء إلى تعاون."

في إحدى المرات، تصاعدت التوترات عندما شعرت إحدى النساء من المجتمع المضيف بالاستياء، معتبرة أن النازحين يحظون بمعاملة تفضيلية في المركز الصحي. غادرت المكان غاضبة. لحقت بها قزي واحتضنتها وأشارت إلى أنه على عكسها، ليس لدى النساء النازحات منزل يمكنهن العودة إليه.

وتتذكر قزي: "من خلال هذه البادرة البسيطة من التعاطف والتفاهم، كنت آمل أن أتمكن من سد الفجوة وغرس التعاطف فيها. أعتقد أنها كانت لحظة تركت أثرًا دائمًا."

وتوضح ماريا جعجع، مديرة المشروع في منظمة إنترناشيونال أليرت: "لقد زود التدريب المقدم في إطار المشروع دعد قزي بالأدوات التي تحتاجها للتعامل مع الصراعات شديدة الحساسية. إن قدرتها على تحويل الغضب إلى تعاون هي دليل على الفعالية العملية لهذه الأساليب على أرض الواقع. وفي مراكز النازحين، حيث غالبًا ما تتصاعد التوترات، طبقت هذه التقنيات لتعزيز الحوار وبناء الثقة بين الأفراد من خلفيات متنوعة ومنقسمة."

نهج يرتكز على الإنسان

إن نهج قزي في بناء السلام والعمل الإنساني متجذر بعمق في تجاربها الشخصية. نشأت دعد في قرية ريفية، وشهدت معاناة النساء في أسرتها ومجتمعها، اللواتي تحملن العنف المنزلي – وهو الواقع الذي ترك علامة عميقة على شعورها بالعدالة والرحمة.

وتتضمن مقاربتها تمكين النازحين من خلال إشراكهم في الجهود الإنسانية التي تقودها. وإدراكًا منها للإمكانات الكامنة في هذه المجتمعات، عملت بنشاط على تجنيد المتطوعين والمحترفين من بين النازحين.

تقول: "كان لدينا متطوعون نازحون من تجارب مختلفة يعملون معنا،" وأكدت كيف دعم مشاركتهم عمليات الإغاثة وعززت لديهم الإحساس بالهدف والانتماء. كما أعطت الأولوية لتوظيف الأطباء النازحين لتقديم الرعاية الطبية، عالج هذا النهج الاحتياجات الصحية العاجلة وخلق بيئة حيث شعر الأفراد النازحون بأمان أكبر وراحة أكبر عند تلقي الرعاية من الأطباء من مجتمعهم.

من خلال منح النازحين دورًا نشطًا في مساعدة الآخرين، حولت دعد قصة العجز إلى قصة تمكين ومساهمة نشطة، مما عزز قدرة فريقها والمجتمع على الصمود.

alt text
دعد قزّي، حزيران 2024. الصورة: منظمة إنترناشيونال أليرت

وبحسب أحد المتطوعين النازحين: "لم تنظر إلينا كضحايا؛ بل نظرت إلينا كأفراد يمكنهم إحداث فرق. ومن خلال توجيهاتها، وجدت طرقًا للمساهمة بشكل هادف في مجتمعنا، سواء من خلال المساعدة في توزيع المساعدات أو دعم الآخرين المحتاجين. لقد ذكّرتنا بأنه حتى في أصعب اللحظات، لا يزال لدينا القدرة على إحداث تغيير."

وعلى الرغم من تفانيها الدؤوب، واجهت دعد تحديات عميقة في عملها كوسيطة وصانعة سلام. وكان أحد أكثر العقبات إيلامًا هو عدم القدرة على تلبية كل طلب للمساعدة. أدى طول أمد الصراع إلى تضخيم هذا العبء، مما ترك دعد تكافح مشاعر العجز والذنب، وخاصة تجاه فريقها، الذي نفذ عمله بلا كلل في ظل ضغوط هائلة.

إن عمل قزي يجسد الدور الحاسم الذي تلعبه صانعات السلام في إيجاد التوازن بين التنمية والجهود الإنسانية وجهود السلام. إن دورهن لا غنى عنه في جمعيتها، حيث تشكل النساء 80% من الفريق.

وترى قزي أن برنامج المرأة والسلام والأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، والذي يركز على ضمان حماية المرأة وتعزيز دورها في منع الصراعات، يعد حليفًا أساسيًا في عملهم.

"كان البرنامج بمثابة شريان حياة. لقد عزز ذلك أهمية البقاء على الحياد والتركيز على الصالح العام... يمكن للمرأة أن تجلب الهدوء حيث تتصاعد التوترات."

وبحسب جيلان المسيري، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، فإن جهود قزي تسلط الضوء على القوة التحويلية لقيادة المرأة في حالات الأزمات: "يسلط عملها الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في سد الفجوة بين بناء السلام والاستجابة لحالات الطوارئ. ومن خلال عملها، أظهرت أن تمكين المرأة كوسيطات وفاعلات إنسانيات يمهد الطريق للاستقرار الطويل الأمد داخل المجتمعات."


[1] أدى انفجار مرفأ بيروت إلى مقتل 218 شخصًا وإصابة 7000 شخص، منهم 150 شخصًا على الأقل أصيبوا بإعاقة جسدية، وتسبب في أضرار نفسية لا يمكن وصفها، وألحق أضرارًا بـ 77 ألف شقة، مما أدى إلى نزوح أكثر من 300 ألف شخص.

[2] خلال المرحلة السابقة من برنامج "المرأة والسلام والأمن في الدول العربية" (2019-2022)، تمّ تدريب ما مجموعه 240 امرأة.