على لسان فاديا جمعة: "أريد أن أبعث برسالة حب وسلام إلى جميع النساء. أريدهنّ أن يعرفن أنه حين تنتهي هذه الحرب، سينظُرن إلى الخلف ويدركن مدى قوتهنّ"

التاريخ:

في صور، في جنوب لبنان، حيث تصاعدت الاشتباكات والهجمات عبر الخط الأزرق[1] وما بعده، منذ اندلاع الصراع في غزة، التحقت صانعات السلام بالنازحين/ات. فاديا جمعة صحفيّة وناشطة بيئية ووسيطة تشارك في مشروع إقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بعنوان "المرأة والسلام والأمن في الدول العربية - المرحلة الثالثة"، والذي تم تنفيذه بالتعاون مع منظمة إنترناشيونال ألرت والمركز المهنيّ للوساطة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت وهي واحدة من عشر شبكات وساطة نسائية محليّة تعمل على منع النزاعات وحلها والمساهمة في السلام المستدام من خلال تغيير السياسات والعمل على مستوى المجتمع، بتمويل من حكومة فنلندا.

 

alt text
الصورة: فاديا جمعة

"قبل أسبوع، استيقظنا على صوت غارات جويّة مكثفة. كنتُ في المنزل مع أطفالي واتخذت قرارًا سريعًا بمغادرة [صور] إلى صيدا حيث يعيش والداي. كانت الرحلة من أصعب الرحلات على الإطلاق، وجرت تحت نيران كثيفة، والحال أن صاروخا سقط على بعد مئتي متر فحسب من سيارتنا لكنه لم ينفجر. استغرقَت الرحلة أربع ساعات للوصول إلى منزل أختي الشاغر، حيث تأكدتُ من استقرار أطفالي. في تلك الليلة، انضممتُ كمتطوعة إلى مدرسة حكومية التحقتُ بخليّة أزمة مكوّنة من ناشطي/ات من جميع أنحاء لبنان عبر تطبيق واتساب لمساعدة النازحين/ات في العثور على مأوى وتلبية احتياجاتهم/ن الأساسية.

 

كان الوضع، وما يزال، كارثيًا، مع النزوح المستمر من مناطق مختلفة والغارات المستمرة. شخصيًا، جمعتُ قوتي لمساعدة الآخرين وتوفير المأوى. كجزء من شبكة من الوسيطات المحليّات، عقدنا اجتماعات عدّة وقررنا نقل مبادراتنا إلى مراكز النزوح، مع التركيز على دراسة احتياجات النازحين/ات لتقديم الدعم والتخفيف من حدة النزاعات.

 

أمرّ بأوقات عصيبة للغاية، وخصوصاً بعد استهداف مبنى في صيدا، يقطنه سكان محليون وبعض النازحين/ات، مما أدى إلى مذبحة مروّعة أودت بحياة أقاربي. وعلى الرغم من هذه المأساة، استجمعتُ قوتي بسرعة وعدتُ إلى عملي التطوعي على الفور. لا وقت للحزن أو الدموع.

 

لقد أثّر الصراع بشكل مباشر على استقرارنا العقلي والمادي. نتابع الأخبار باستمرار، وهي تعكس القلق وعدم اليقين. حركتنا مقيّدة، واستقرار عائلتي النفساني غائب. في داخل المجتمع، شهدنا نقصًا في تدابير السلامة والحماية. ارتفعت معدلات البطالة والمخاطر على الصحة العقلية. زاد العنف على نحو كبير، في حين يظل تأمين الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى مصدر قلق كبير.

 

يتحمّل النساء عبئًا غير متناسب في هذا السياق. لقد نمَت مسؤولياتهن في دعم أسرهن، مما يؤدي غالبًا إلى النزاعات بين الأزواج والزوجات. في بعض الحالات، ساهمت الصعوبات الاقتصادية وفقدان الوظائف بين النساء في زيادة العنف المنزلي ضد النساء والأطفال.

 

قبل انخراطي في المشروع مع "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، كان من الصعب إجراء حوارات ناجحة مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. لقد مكّنتني المهارات التي اكتسبتها وها إنني أواصل مهمتي وأمضي في المبادرات التي بدأتها، مما سمح لي باستخدام الوساطة لتحقيق أهدافي. كما سمحت لي المهارات التي اكتسبتها بالتنقل والتفاعل مع الثقافات والخلفيات المختلفة بشكل أكثر فعالية.

 

لقد تمكّنتُ أيضًا من العمل على نحو وثيق مع المجتمعات المحلية ووجدنا فوائد مشتركة. كنت أعمل على تطوير برنامج دعم للنازحين/ات اللبنانيين/ات في منطقة صور، والذي يتضمّن جلسات حول الاستماع النشط والتواصل والتعبير العاطفي لـ 45 طفلاً (من سن 6 إلى 12 عامًا) ومقدمي/ات الرعاية لهم/ن. أخيراً، قمت بتيسير جلسات مماثلة مع عشر نساء وثلاثة أطفال، مع التركيز على المحنة العاطفية والتعبير عن المشاعر.

 

لم يكن هذا ممكنًا من دون بناء القدرات التي تلقيّتها من هيئة الأمم المتحدة للمرأة. إن استدامة المبادرة واضحة في العمل الذي أواصل القيام به. قبل مشروع الوساطة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، كنت غالبًا دفاعيًة وعدوانية في النزاعات. يُمكنكِ حتى ملاحظة الفرق في كتاباتي اليومية قبل وبعد المشروع.

 

من خلال الوساطة، تعلّمت كيفية تطبيق الاستماع النشط، وتبسيط القضايا، والسعي إلى إيجاد أرضية مشتركة بيني وبين الآخرين/ات. الآن بتتُ أعطي الأولوية للتواصل غير العنفي. لقد غيّرَت الوساطة على نحو أساسي كيفية تعاملي مع المواقف، مما جعلني أكثر مراعاةً على المستوى الثقافي وعلى مستوى الصراع أيضاً. كما بتتُ أعطي الأولوية لتدابير السلامة والحماية في عملي.

 

أريد أن أبعث برسالة حب وسلام إلى جميع النساء. أريدهنّ أن يعرفن أنه حين تنتهي هذه الحرب، سينظرن إلى الخلف ويدركنّ مدى قوتهن وكيف حافظن بفضل قوتهن على أسرهن ومجتمعاتهن. لدى كل شخص القدرة على إحداث فرق داخل مجتمعه. نحتاج فقط إلى النظر داخل أنفسنا للعثور على تلك القوة."


[1] يمتد الخط الأزرق لمسافة 120 كيلومترًا على طول حدود لبنان الجنوبيّة. إنه ليس حدوداً، ولكنه مجرد "خط انسحاب". الخط وضعته الأمم المتحدة في عام 2000 لغرض عملي هو تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.