نساء يبنينَ مستقبلاً أكثر سلامًا للأجيال القادمة

التاريخ:

واجهت نزهة*، البالغة من العمر 33 عامًا، مصاعب الحرب في سوريا والنزاع في لبنان، لكنّها الآن تستعين بتجربتها لنشر ثقافة اللاعنف والوساطة عبر المشاركة في الحوارات السلميّة في مجتمعها مع نساءٍ من مجتمعاتٍ وأجيالٍ مختلفة. تُعدّ نزهة واحدة من 85 امرأة يتحدّرن من طرابلس (شمال لبنان) وبعلبك (البقاع) ويشاركن في حوارات مجتمعيّة تقودها نساء في إطار مشروع "إنشاء مساحة للنساء بانيات السلام الذي تشرف عليه منظمة "إنترناشونال ألرت" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بدعم سخي من حكومة المملكة المتّحدة.

صورة التقطت خلال انعقاد "يوم التبادل" (في 8 مارس، احتفالاً  باليوم الدولي للمرأة) رسمت في خلاله 45 امرأة مشارِكة في المشروع لوحةً جداريّة كبيرة في الشارع  الفاصل بين باب التبانة وبين جبل محسن، طرابلس، لبنان. الصورة: “إنترناشونال ألرت” / هيئة الأمم المتحدة للمرأة

صورة التقطت خلال انعقاد "يوم التبادل" (في 8 مارس، احتفالاً باليوم الدولي للمرأة) رسمت في خلاله 45 امرأة مشارِكة في المشروع لوحةً جداريّة كبيرة في الشارع الفاصل بين باب التبانة وبين جبل محسن، طرابلس، لبنان. الصورة: “إنترناشونال ألرت” / هيئة الأمم المتحدة للمرأة

فرّت نزهة مع عائلتها من سوريا منذ عشر سنوات آملةً الهروب من الحرب التي تنهش بلادها والعثور على ملاذ آمن في لبنان. لكن سرعان ما وجدت نفسها عالقة بين براثن صراعات طائفيّة مختلفة في مدينة طرابلس في شمال لبنان. تقول نزهة: "لقد غادرنا سوريا لأنّنا عجزنا ذهنياً عن التعامل مع هذا الوضع غير المستقرّ بعد أن فقدنا عدّة أفراد من عائلتنا. وما لبثنا أن غادرنا حتّى وجدنا أنفسنا خائفين وغير آمنين هنا في باب التبانة في طرابلس كلّما اندلعت جولة قتال. تشهد المنطقة أحيانًا مواجهات بوتيرة يوميّة ما يمنعنا من النوم ويرعب أطفالي."

تُعدّ نزهة واحدة من 85 امرأة مسجَّلة في مشروع "إنشاء مساحة للنساء بانيات السلام" الذي تُشرف عليه   منظمة "إنترناشونال ألرت" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة الذي يمتدّ على 10 أشهر ويهدف إلى دعم الحوار المجتمعي الذي تقوده النساء. يصبو المشروع، من خلال التدريب والحوار والوساطة، إلى بناء جسور بين الأحياء والمجتمعات التي انقسمت بنتيجة عقود من الصراع الطائفي، ويسعى إلى جمع النساء في حوار عابر  للأجيال.

على مدى ثماني جلسات، ناقشت النساء مواضيع عدّة وأتممن تدريباً على حلّ النزاعات، ومهارات الاتصال، والوساطة، والأدوار  المنوطة بالنوع الاجتماعي، ودور المرأة في السلام والأمن، فضلاً عن المهارات  المتعلّقة بتصميم  الحملات، وتنفيذ المبادرات، والقيام بالمراقبة والتقييم، ومراقبة ديناميّات الصراع، في مدينة طرابلس.

هدفت الجلسات إلى جمع نساء من مختلف الجنسيات والمهن والأجيال والمجتمعات ولاسيّما ممّن عانين الحروب والنزاعات وذلك بهدف تعزيز دورهنّ كنساء بانيات السلام في مجتمعهن.

تشرح نزهة قائلةً: "بدأتُ أشعر بتحسّنٍ كبيرٍ بفضل جلسات الحوار التي قادتها النساء. تميّزت هذه الجلسات ببيئة داعمة، فشعرتُ بانتماءٍ أكبر إلى المجموعة. معًا، تجاوزنا الخوف من "الآخر" وشعرنا بالراحة في التعامل مع بعضنا البعض وشكّلنا عائلةً كبيرةً ومحبّةً بغض النظر عن خلفيّاتنا ووجهات نظرنا. في نهاية المطاف، تشاركنا جميعًا الهدف عينه، ألا وهو العيش معًا في وئام وسلام.

بدأ الأمر بمحادثةٍ بين مجموعةٍ من النساء وتحوّل اليوم إلى رابطٍ دائم. لقد عبّرنا جميعًا عن مخاوفنا، وناقشنا ذكرياتنا الفردية والجماعية المختلفة فكسرنا حواجز الخوف، ما ساعدنا على تخطّي الماضي والمضي قدمًا. بنينا صداقات مع جيراننا وعائلاتنا وأفراد مجتمعنا أيضًا. والآن، في حال نشأت أي مشكلة جديدة بين باب التبانة وجبل محسن، لن أخشى تفاقم الأمور إلى درجة العنف وذلك بفضل انتشار ثقافة اللاعنف بيننا وقدرتنا على التخفيف من حدّة الصراعات.

جعلتنا جلسات الحوار نوسّع آفاق وجهات نظرنا ونتقبّل الاختلافات ما بيننا. توصّلنا إلى بيانٍ مشترك مفاده أنّ "العنف لم يكن يومًا حلًّا لأي مشكلة"، نظراً إلى أننا أتينا جميعًا من مناطق شهدت على صراعات وأننا اختبرنا جميعًا القصص  والتجارب  المؤلمة.

لقد عزّزت مشاركتي في ورش العمل والحوارات ثقتي بنفسي وساعدتنا جميعًا على فهم قيمتنا والتأثير الكبير الذي يمكن أن نُحدِثهُ كنساء في عائلاتنا ومجتمعاتنا، كما ساعدتنا على فهم كيفية إحلال السلام في هذه المجتمعات. حتى في المنزل، غيّرتُ نظرتي  إلى الأمور وإلى كيفيّة تفاعلي اليومي مع  أفراد أسرتي، وأصبحت أكثر تفهّمًا لاحتياجاتهم وأكثر قدرةً على التواصل معهم بشكلٍ سليم.

ويتجاوز هذا التغيير حدود أسرتي . في الحي حيث أعيش، أؤدّي الآن دور الوسيطة، ففي الآونة الأخيرة عندما نشأ نزاع بين الجيران حول استخدام السطح المشترك لأحد المباني، وجدت حلًّا بعد الاستماع إلى وجهة نظر  كل طرف على حدة وإلى رغبة كل شخص فاتّبعت مقاربة تُشرك جميع الأطراف. تتطلّبُ مواقف من هذا النوع التفاهم والاهتمام المتبادَلَين.

والآن، في حال نشبَت أي مشكلة في المجتمع، أشعر أنني على دراية بالطرق  المناسبة للتصرّف وأنّني متمكّنة بما يكفي للتخفيف من حدّة الصراع والتوصّل إلى حل سلمي. ثمّة دائمًا سبيل لحل الأمور. فكل ما يتطلّبه الأمر هو بعض الوقت والحوار السلمي لفهم الجانب الآخر من القصة، من دون السماح للغضب أو الإحباط بأن يتحكّما بتفاعلاتنا."

وختمت نزهة قائلةً: "نحن جيل اليوم، جيل يحمل أفكارًا وحلولًا وطرق تفكير جديدة - ولدينا دور محوري في إحلال السلام راهناً، من أجل بناء مستقبل سلمي للجميع."

* ملاحظة: جرى تبديل الاسم حفاظًا على خصوصيّة المرأة المعنيّة وهويتها.