لا يمكن إحلال السلام بالقوّة، لا بل بالحوار والتسامح

التاريخ:

اكتسَبت عبير التَوم بيطار، 46 عامًا، انفتاحاً حديثاً على تعزيز الحوارات السلمية من أجل التغلّب على صدمة الصراعات الماضية والحاليّة، وهي عازمة على مشاركته في مجتمعها. عبير هي واحدة من 85 امرأة من طرابلس وبعلبك يُشارِكنَ في حوارات مجتمعيّة بقيادة نسائية، في إطار مشروع "إنشاء مساحة للنساء بانيات السلام" الذي تشرف عليه منظّمة "إنترناشونال ألرت" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بدعمٍ سخيّ من حكومة المملكة المتّحدة.

عبير التّوم بيطار، خلال انعقاد "يوم التبادل" في بعلبك الذي شاركت فيه 85 امرأة. البقاع، لبنان. الصورة: إنترناشونال ألرت/هيئة الأمم المتحدة للمرأة

عبير التّوم بيطار، خلال انعقاد "يوم التبادل" في بعلبك الذي شاركت فيه 85 امرأة. البقاع، لبنان. الصورة: إنترناشونال ألرت/هيئة الأمم المتحدة للمرأة

شكّل الخوف والمثابرة جزءًا جوهريًا من حياة عبير التّوم بيطار وعائلتها المؤلّفة من أربعة أطفال. هذه السيدة المُقيمة منذ فترة طويلة في القاع، وهي قرية في بعلبك، لبنان، عملت على مدى 22 عامًا في بلديّة القاع بعد أن درَسَت علم الاجتماع وتخرّجت من الجامعة اللبنانية في زحلة.

يبلغ عدد سكّان بلدة القاع 6000 نسمة وهي تقع على بُعد 10 كيلومترات من الحدود السوريّة. شهدت هذه البلدة الشمالية الساحرة الكثير من إراقة الدماء والصراعات خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 عامًا، كما كانت أخيراً ضحية هجمات شنّتها جماعات مسلّحة غير حكوميّة. عاشت القاع تاريخًا ملؤه الاضطرابات ما أسفر عن توتر مجتمعيّ بين الأفراد الآتين/الآتيات من خلفيّات دينيّة وسياسيّة مختلفة، ولاسيّما مع تدفّق اللاجئين/ات السوريّين/ات الفارّين/ات من الخطر.

تتذكر عبير وتقول: "حين اندلعت الاشتباكات المسلّحة في عامَي 1989-1990، لم أكن حينها سوى في السادسة عشرة من عمري. أتذكّر جيّدًا مكان تجمّع موكب الضحايا أمام منزلي، حيث تجمّهر الناس كل يوم لحمل النعوش إلى مثواها الأخير. لن أنسى يوماً مشهد نعوش عائلة مؤلّفة من ثلاثة أفراد - أب وابن وابنة - حُملت على الراحات إلى مثواها الأخير في اليوم عينه. تساءلنا يوميًّا إذا كان سفك الدماء سيصل إلى نهاية.
في عام 2016، وصل 30 ألف لاجئ/لاجئة سوري/ة إلى القاع. وشكّل هذا التدفّق الهائل صدمة كبيرة لمجتمعنا الصغير، إنتابنا نوع من الخوف حيال كيفيّة التكيّف مع هذا الوضع الجديد في ظلّ الحاجة إلى الترحيب بالسكان الجدد. في الواقع، تملّكنا الخوف من الآخر وفي ظلّ توافد أعداد اللاجئين/ات الكبيرة، شعر الناس بالقلق حيال نشوء التوتّرات مع الوافدين/ات الجدد/الجديدات."

عبير واحدة من 85 امرأة مسجَّلة في مشروع منظمة "إنترناشونال ألرت" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة "إنشاء مساحة للنساء بانيات السلام" الهادف إلى دعم الحوار المجتمعي بقيادة نسائية والذي يستمر لمدة عشرة أشهر. يشجّع هذا المشروع الحوار العابر  للأجيال والمجتمعات كوسيلة للتصدّي للنزاعات وتفكيك سرديّات الحرب الأهلية السائدة والموروثة وذلك بفضل، ومن خلال، النساء بانيات السلام.

نُظِّمَت ثماني جلسات تعلّم وحوار مع 45 امرأة من القاع وعرسال وبعلبك، وتناولت مواضيع مختلفة مثل حلّ النزاعات، ومهارات التواصل، والوساطة، وأدوار المرأة في إحلال السلام والأمن. وتمحورت الجلسات أيضاً حول مهارات تصميم الحملات، وكيفيّة تنفيذ المبادرات ومراقبة ديناميات الصراع  في البقاع باستخدام أدوات المراقبة. نُظِّمَت أيضًا فعاليّات للتبادل الثقافي بين نساء من مختلف الخلفيّات في البقاع في بلدات القاع، وعرسال، وبعلبك.

"في خلال جلسات الحوار، كنّا مجموعة نساء (لبنانيّات وسوريّات وفلسطينيّات) من قرى وخلفيّات ثقافيّة ودينيّة مختلفة، نحمل ذكريات فرديّة وجماعيّة مختلفة عن الحرب الأهليّة وعدّة أحداثٍ أخرى وقعت في البقاع. جلسنا معًا، وتعرّفنا على بعضنا البعض وأنصتنا إلى ما عاشته كل واحدة منّا، ولا يسعنا إلّا احترام قوّتهن في مواجهة  هذا الكمّ من الحزن."

تعلّمت عبير تطبيق ما  تلقّتنه خلال جلسات الحوار حين واجه مجتمعها المشاكل. ساعدتها مهاراتها الجديدة في اعتماد الحوار والوساطة على رؤية الأمور من منظور مختلف لتجد حلًّا معقولًا للمشكلة المطروحة.

وتشرح عبير قائلةً: "شجّعنا المنسّقون على مشاركة ذكرياتنا الدفينة وتعزيز ثقتنا في أنفسنا، وفي الآخرين أيضًا، وذلك عبر فن الإصغاء. وأكّد لي هذا المشروع أنّ النساء  يؤدّين دورًا مهمًّا في المجتمع وبإمكاننا نحن (النساء) أيضًا أن نكون صانعات القرار. نتيجةً لذلك، تعزّزت ثقتي في نفسي وفي الآخرين وغدوت أكثر استعدادًا للتعبير عن آرائي عوضًا عن التنحّي جانبًا عند تصاعد التوتّرات.

ها أنا أحمل معي هذه الدروس التي تعلّمتها كلّ يوم وأحرص على تطبيقها، وأشعر الآن أنّني أتحمّل مسؤولية نقل انفتاحي الجديد إلى الأشخاص الذين ألتقي بهم في البلدة، وذلك لننقُل المعارف ونتشاركها بغية تحسين مجتمعنا. لا يمكن إحلال السلام بالقوّة، لا بل بالحوار والتسامح، ويتعيّن علينا دائمًا اعتماد هذا المبدأ إن أردنا مجتمعًا مسالمًا.

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابيّة في لبنان، قد تتصاعد التوتّرات بين مؤيّدي الأحزاب السياسيّة المختلفة. لكن أشعر الآن أني مستعدّة لتطبيق مهارات الوساطة التي تعلّمتها لأتمكّن من المساعدة عند نشوء أي توتّر أو نزاع ولإيجاد طريقة تتيح للجميع التعبير عن احتياجاتهم بشكلٍ سلمي."