في لبنان، دعم متبادل بين عناصر الشرطة وبين نساء في المجتمع بهدف الحدّ من مخاطر الكوارث
التاريخ:
في 4 آب / أغسطس 2020، كان الرائد فادي توما، قائد مخفر الجمّيزة، من أوائل المستجيبين لتبعات انفجار مرفأ بيروت. حين وقع الانفجار كان توما في منزله الكائن في جزين، جنوب لبنان، وقد هرع إلى منطقة الجمّيزة، المتضرّرة بشدة، للمساعدة في الاستجابة.
شارك الرائد فادي توما وفصيلته في مشروع "مشاركة المرأة في مساءلة إدارة الكوارث" نبعًا من إرادتهم بأن يكونوا أفضل استعدادًا للتعامل مع الكوارث في المستقبل. جمع المشروع بين أعضاء من قوى الأمن الداخلي وبين نساء متضرّرات من انفجار بيروت لتطوير خطط أفضل لإدارة الكوارث. قادت المشروع منظّمة المجتمع المدني "أوبيرج بيتي" بتمويلٍ من صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني عبر حكومة ألمانيا، وبدعمٍ فنّي من هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
منذ صغره، أُعجِب الرائد توما بعمل قوى الأمن الداخلي، أي الشرطة الوطنيّة والقوة الأمنية على السواء. ويقول:" يتواصل معهم الناس من خلفيّات متعدّدة لأّنهم يعتقدون أنّهم قادرين على مساعدتهم في حلّ النزاعات وتحقيق العدالة. لطالما رغبت في مساعدة الآخرين أيضًا؛ لطالما رغبت في دعم المجتمع للنضال من أجل حقوقه".
خدم توما في قوى الأمن الداخلي على مدى 17 عامًا، ومرّ بأوقاتٍ عصيبة. ومع ذلك، يصف الأشهر الأربعة التي عقبت انفجار بيروت بأنّها "جحيم على الأرض". ويقول في هذا السياق: "ما إن دوّى انفجار المرفأ، هرعنا إلى الشوارع للبحث عن المفقودين وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض ومساعدة آخرين على الخروج من المباني المهدّمة. عمّت الفوضى المكان. ساعدنا أيضًا في نقل الجرحى إلى المستشفيات واعتقلنا النهابين".
قبل الانفجار، لم يمتلك قسم الشرطة في الجمّيزة أيّ خطة استجابة للكوارث تراعي النوع الاجتماعي. وبعد الانفجار، لم يكن للقسم الوقت أو الموارد الكافية للتفكير في كيفيّة الاستجابة للكارثة بطريقة تلبّي احتياجات الناس بحسب النوع الاجتماعي وتحدّ من المخاطر وتحميهم. لكن عناصر الشرطة لاحظوا أنّ النساء يشكّلن أكثر من 70% من المتطوّعين\ات والعاملين\ات في المنظّمات غير الحكوميّة التي تساعد في الإغاثة في حالات الطوارئ. ويقول توما: "كان الأمر مذهلًا. إن النساء أدّين عملًا رائعًا وسريعًا في الخطوط الأماميّة بتقديمهن المساعدات الإنسانيّة حين وقع الانفجار. فأدركنا أنّ النساء هنّ مورد أساسي وأن ثمة نظام دعم يشكّلنه ونحتاج إلى التخطيط له مثلما يجب. لذلك، كنّا متحمّسين للغاية للتعاون مع جمعية "أوبيرج بيتي" بهدف التخطيط لمشاركة المرأة في إدارة الكوارث". وبذلك، تعاون مخفرا شرطة الجمّيزة والنهر مع الدفاع المدني ومنظّمات المجتمع المدني لمناقشة المسائل المختلفة وتبادل الخبرات في سبيل إدارة الأزمات بشكلٍ أفضل، في المستقبل. وأشار الرائد قائلًا: "إنّني أؤمن بتأثير هذا العمل، وأعتقد أنّه يجب أن يمتدّ إلى المستوى الوطني".
يجمع العمل الذي أنجزته "أوبيرج بيتي" في إطار هذا المشروع عناصر الشرطة ونساء من مجتمع الجمّيزة والنهر ومنظّمات حقوق المرأة لمناقشة كيفيّة التعاون في سبيل دعم بعضهم البعض في الاستجابة للكوارث وإدارتها. وضعوا خططًا متينة وشاملة تأخد بالاعتبار النوع الاجتماعي وتمّ دمجها في خطط إدارة الكوارث التي كانت موضوعة مسبقًا والتي تخدم النساء والرجال والفتيان والفتيات ومجتمعاتهم\ن في حالة حدوث أزمة.
نور غنيمه، 30 عامًا، محامية وناشطة. شاركت مع 18 سيدة أعمال وكبار في السن وناشطات في خمسة حوارات مع الشرطة والدفاع المدني. وأفادت: "في صفوف المدنيين والمدنيات وعناصر قوى الأمن، ثمّة نقص كبير في الوعي بالأزمة. لم نكن نعرف مَن نبلّغ عن الضرر أثناء الاستجابة للانفجار، وعندما أبلغنا، لم يكن لدى الشرطة الموارد اللّازمة للاستجابة بالسرعة الّتي توقعناها".
خلقت الجلسات مساحة آمنة للمجتمع المدني وعناصر قوى الأمن حيث يمكنهم مناقشة قضايا المجتمع المتعلّقة بالاستجابة للأزمات والكوارث، وإيجاد نقاط مشتركة، وتطوير الحلول التي تلبّي تطلّعات الطرفين. وتضيف غنيمه: "عندما يشارك الجميع في اتخاذ القرار، يتشجّعون على الالتزام به. فبفضل هذه الاجتماعات، نعمل على تطوير خطط مشتركة من شأنها أن تسهّل عمليّات الاستجابة للكوارث علينا جميعًا كأعضاء في الشرطة ومنظّمات من المجتمع المدني ونساء".
أمَا بالنسبة لِليزا تابت البالغة من العمر 80 عامًا، فهي باتت الآن وبعد حضور هذه الجلسات تشعر بأمانٍ أكبر في العيش في منزلها في الجمّيزة. كانت ليزا في منزل أختها على بُعد بضعة شوارع عندما دوّى الانفجار. وقالت: "كنت محظوظة لأنني لم أكن في منزلي في لحظة الانفجار، وإلّا لكنت في عداد الموتى. كان منزلي في حالة خراب". هرعت إلى المنزل على الفور لتجد كلّ ما في شقتها، بدءًا من الزجاج والخشب وصولًا إلى الأبواب، محطّمًا بالكامل. وأضافت: "لم أكن أعرف بمن أتّصل وماذا يمكن أن تفعل الجهات المعنيّة لمساعدتي، ولم أكن أعرف ما إذا كانت الشرطة ستأتي لمساعدتي إذا اتصلت بها". بعد أن حضرت الجلسات، باتت الآن تدرك الموارد المتوفّرة لدى الشرطة، وفي المقابل، باتت عناصر الشرطة تدرك ما يتوقّعه الناس منها.
في هذا الإطار قالت: "أعرف الآن ما يمكن توقّعه منهم وأنّهم سيساعدونني إن احتجت إلى المساعدة. توطّدت الصلات بيننا أكثر من أي وقتٍ مضى. حتّى أنني دعوتهم لاحتساء القهوة هذا الأسبوع!"
من خلال مشروع "أوبيرج بيتي"، يأمل الرائد توما أن يطوّر مفهوم ضبط الأمن المجتمعي. ويوضح أنّ "ضبط الأمن المجتمعي يشجّع أفراد المجتمع على الانخراط في العمل الهادف إلى إرساء الأمن ليشعروا بأنهم جزءًا من أمن الحي الذي يقيمون فيه". ويفسّر قائلًا: "علاوةً على ذلك، سيتفاعل عناصر الأمن مع المجتمع من خلال الخدمات الاجتماعية. تكمن قوّة هذا المشروع في أنّ معرفتنا بجيراننا باتت أكثر عمقًا، فنحن نعرف قصصهم واحتياجاتهم ومخاوفهم، وهم يعرفوننا حقّ معرفة، ما يخلق حيًّا آمنًا ومستعدًّا للاستجابة لأي كارثة".
من خلال صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني، سعى مشروع "أوبيرج بيتي"، "مشاركة المرأة في مساءلة إدارة الكوارث"، إلى الجمع بين قوى الأمن الداخلي والدفاع المدني ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز الاستجابة للأزمات في منطقتَين متضرّرَتَين من الانفجار: الجمّيزة ومار مخايل.