على لسان ريتا باروتا: «المستقبل للنساء، ولا يمكنني أن أتخيّله خلاف ذلك»
التاريخ:
في خضم التحديات والنزاعات التي شهدها لبنان، تجلت قصص لنساء أحدثن فرقًا من خلال مبادراتهن خلال الأزمة الأخيرة. ومن بين هؤلاء، ريتا باروتا، الأستاذة في الجامعة اللبنانية الأمريكية، والحاصلة على درجة الدكتوراه في النوع الاجتماعي والجنسانية، والناشطة في المجال الإنساني. تعكس تجربة ريتا نضالها المستمر لدعم النساء المهمّشات في مجتمعاتهن، وتشجيعهن على المطالبة بحقوقهن في مجتمع يعاني من الفوضى والأزمات والصراعات.
«انطلاقاً من رؤيتي النسوية للعديد من القضايا، لا أستطيع أن أبقى مكتوفة الأيدي، عندما يكون هناك دورٌ عليّ القيام به. وقد دفعني ذلك إلى استغلال وقتي وطاقتي في مناصرة قضايا حقوق المرأة. بدأت رحلتي خلال احتجاجات 17 تشرين الأول/أكتوبر، واستمرت بعد انفجار المرفأ في 4 آب/أغسطس، وصولًا إلى دعم النازحات خلال النزاع الأخير.
رفضتُ أن أبقى مُتفرّجة، على معاناة الآخرين/الأخريات. فحوّلتُ منزلي إلى خليّة عمل. أصبحت غرفتي مخزنًا مليئًا بجميع أنواع المساعدات، وعملنا بلا كلل لدعم الأسر النازحة والنساء. منذ البداية، كان دافعي نابعًا من شعور بالمسؤولية تجاه شعبنا ومجتمعاتنا، لا سيما تجاه الفئات المهمّشة، وخصوصاً النساء.

لم تقتصر المساعدات التي قمتُ بتأمينها على الطعام. فقد وضعتُ نفسي مكان النساء النازحات، وكتبت قائمة بالأشياء التي قد يحتجنها، والتي لا تقتصر على الطعام فحسب، بل تشمل أيضاً بعض الضروريات مثل مسكّنات آلام الدورة الشهرية، والفوط الصحية، ومنتجات النظافة الشخصية، والملابس، والحرامات، وأدوات الخياطة، والكتب، وبعض الألعاب، بالإضافة إلى بعض الحلويات للأطفال.
لقد قمنا بتوفير أسرّة للعديد من النساء الحوامل لأنهن لا يستطعن النوم على الأرض، ووفّرنا لهن استشارات طبية مجانية مع أخصائيين/ات لضمان حصولهن على الرعاية الصحية اللازمة. وفعلنا الشيء نفسه مع الأطفال حديثي الولادة. عملتُ 18 ساعة يوميًا لألبّي على نحو فوري العديد من الطلبات التي تلقيناها، وقد تمكنّا من الاستجابة لمعظمها.
أكثر المواقف التي أثرت في نفسي هي تلك الزيارة التي قمت بها لامرأة مسنّة وجدتها نائمة على الأرض، رغم معاناتها من كسر في الحوض. استقبلتني بابتسامة عريضة وفتحت ذراعيها لتعانقني. كانت تلك اللحظة غامرة بالنسبة لي، فقد أكّدت لي مدى أهمية العمل الذي أقوم به.
عندما قررتُ العمل على تقديم المساعدات، بدأت من الصفر. اعتمد كل ما قمت به على المساهمات الفرديّة التي تلقيتها من المقيمين/ات والمغتربين/ات. كانت المبالغ زهيدة جداً مقارنة بالاحتياجات الهائلة. أمّا ما جعل هذه المساعدات تستمر فالثقة التي تمكّنا من إرسائها، من خلال الاستجابة المباشرة والفورية التي قدمناها.
بدأنا بمساعدة العائلات، ولا سيما النساء اللواتي لم يرغبن في مغادرة بعلبك، ثم وصلنا إلى من نزح من بعلبك ومناطق أخرى. لم نقدّم المساعدات إلى مراكز الإيواء أو المدارس، بل إلى النازحات اللواتي لجأن إلى منازل فارغة ولم يتلقين مساعدات من أي جهة كان.
أما الآن، وبعد توقّف النزاع، فإننا ما زلنا نواصل عملنا مع أولئك اللواتي لم يتمكنّ من العودة إلى بلداتهن. ما أراه ملحًا خلال هذه الفترة هو تأمين الأموال وفرص العمل، لا سيما للنساء اللواتي فقدن معيل الأسرة، وتوفير وسائل الصمود لمواجهة فصل الشتاء، خصوصاً في المناطق الريفية.
لن تتوقف مبادراتنا في هذا المجال، وسوف نواصل الوقوف إلى جانب النساء حتى يحصلن على حقوقهن. وأنا مقتنعة أنه باستطاعتنا إحداث فرق حقيقي.
لقد انتهى الاقتتال العسكري، وبدأت مرحلة جديدة يجب أن نستخلص منها العبر والدروس، بدلاً من التعامل مع ما حدث على أنه شيء من الماضي، ونطوي الصفحة بكل بساطة.
لقد أكدّت لي تجاربي أن لا شيء يبقى إلى الأبد، وأن الحياة تستمر رغم كل شيء. ونحن، النساء، في نضالنا من أجل نيل حقوقنا، خير دليل على ذلك. المستقبل للنساء، ولا يمكنني أن أتخيله خلاف ذلك».