على لسان منى أبو زيد: « سأبقى، وسأصمد، وسأقوم بواجباتي على أكمل وجه »

التاريخ:

على تلة بين كفر رمان والنبطية وحبوش في جنوب لبنان، أصبح مستشفى النجدة الشعبية شريان حياة للكثيرين. منى أبو زيد، البالغة من العمر 57 عامًا، تشغل منصب مديرة المستشفى منذ عام 2019. خلال هذه الفترة، عملت بلا كلل لتأكيد التزامها الصمود في وجه العديد من التحديات الناتجة عن النزاعات المستمرة في المنطقة، وعن الأعراف الاجتماعية السائدة في مجتمع يسيطر عليه الرجال. وبما أن ابنتها الوحيدة تدرس في بيروت وعائلتها قد نزحت إلى الشمال، فقد اختارت البقاء في المستشفى بعد اندلاع المعارك، معطية الأولوية لتلبية الاحتياجات الطارئة على احتياجاتها الشخصية: « سأبقى، وسأصمد، و سأقوم بواجباتي على أكمل وجه ».

« لقد فرضت الأيام الستون الماضية (23 أيلول/سبتمبر - 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) تحديات غير مسبوقة، تميزت بالقصف المكثف واستخدام الأسلحة المدمرة، مثل الفوسفور، مما تسبب في دمار وخراب للمدنيين والبنية التحتية على السواء. بعد أن شاهدنا الدمار الكارثي في غزة، أطلقنا خطط الطوارئ بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة اللبنانية. وتم تجهيز مستودعاتنا بالمستلزمات الطبية والأدوية والمعدات الجراحية.

اتخذ المستشفى تدابير استباقية، حيث قام بتدريب العاملين فيه على المخاطر التي تشكلها الأسلحة الجديدة والمحرمة دوليًا، واستعد لمزيد من التصعيد. كنا محاطين بحلقة من النيران. سقطت القذائف على مقربة شديدة الخطورة، فاضطر المستشفى للتحول إلى مستشفى ميداني. وقد تعاونّا مع مسعفي الصليب الأحمر وفرق الدفاع المدني ومنظمات أخرى، وعملنا معًا بروح من التعاون والاحترام لتقديم الرعاية للمصابين/ات.

alt text
الصورة: منى أبو زيد. هيئة الأمم المتحدة للمرأة / جورج روكز.

ومع تصاعد حدة النزاع، اتخذت القرار الصعب بتعليق العلاجات غير الطارئة لإعطاء الأولوية لاحتياجات المتضررين/ات من العنف. ومع ذلك، على الرغم من الجهود المبذولة، فقد تعرض الفريق للإرهاق، مما أدى إلى مغادرة عدد من الأخصائيين/ات الأساسيين/ات في المستشفى.

خلال هذه الفترة العصيبة، لم تكن رائحة البارود والفوسفور تملأ الهواء فحسب، بل كانت تنبعث أيضًا من المصابين/ات الذين/اللواتي يصلون/ن إلى المستشفى. كان الوضع المحيط بنا مأسويًا للغاية، وكأننا نعيش في عاصفة نارية مستمرة. كان القصف على مسافة قريبة جدًا، مما ألحق أضرارًا بأسقف ونوافذ المستشفى وأثار الذعر بين المتواجدين/ات فيه. بقيت في المستشفى بدون عائلة أو أقارب.

بالإضافة إلى تقديم العلاج للجرحى، قمنا بإيواء النساء والأطفال وكبار السن الذين فقدوا/ن عائلاتهم وأصبحوا بلا مأوى. ومع ذلك، كان التحدي الأكبر الذي واجهناه هو تأمين الوقود لضمان استمرار تشغيل الطاقة في المستشفى، في ظل غياب الدعم الحكومي. أود أن أعبر عن جزيل شكري للدعم الذي تلقيناه، ولا سيما من اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي زودتنا بالإمدادات الحيوية من الوقود. لولا تعاونهم، لكنا سنضطر إلى إغلاق المستشفى، وهو أمر رفضنا التسليم له رغم الأزمات المتعددة التي واجهناها.

لا تزال صور الحرب حيّة في ذهني، لا سيما الخسائر المفجعة التي مُنيت بها العائلات التي وقعت في مرمى النيران. لقد أثرت هذه الظروف القاسية بشدة على صحتنا النفسية، الأمر الذي دفعنا إلى إعطاء الأولوية لدعم الصحة النفسية في خططنا المستقبلية.

في مجتمع يستهين كثيراً بدور المرأة، كرّست نفسي لخلق بيئة تدعم التمكين والتعاون. في مستشفانا، تشكل الموظفات 75% من القوى العاملة. لا تعمل سياساتنا على تعزيز النمو المهني للمرأة فحسب، بل تعمل أيضاً على تنشئة جيل جديد من الرجال المسؤولين الذين يدعمون بنشاط ويشجعون تطور المرأة داخل المجتمع.

إن تركيزنا على دور المرأة يتخطى مسألة النوع الاجتماعي، ويتمحور حول غرس ثقافة داعمة تعزز النمو والمسؤولية. يتحدى هذا النهج بشكلٍ مباشر المفاهيم السائدة التي يهيمن عليها الرجال في مجتمعنا، حيث يُعدّ النساء غالباً، دون وجه حق، غير قادرات على إدارة المستشفيات أو الشركات أو تولي مناصب رفيعة. لقد بدأنا في تطبيق هذه الرؤية من خلال بروتوكولات تعاونية، ودورات تدريبية تهدف إلى تمكين القوى النسائية العاملة لدينا. ومع المضي قدماً، أتطلّع بشغف الى استكشاف فرص التعاون مع منظمات مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتعزيز هذه القيم بشكل أكبر.

في النهاية، أتطلع إلى مستقبل نبلغ فيه مجتمعًا خاليًا من العنف، نعمل فيه معًا بمحبة وتعاون. هذه دعوة إلى العمل من أجل المجتمع، تعكس رغبتنا المشتركة في التعافي والوحدة في مواجهة الشدائد ».