على لسان سارة سلوم: « نرحل معاً أو نحيا معاً »
التاريخ:
في خضم الصراع المدمّر، حوّلت سارة سلوم، رئيسة قسم التمريض في مستشفى النجدة الشعبية في حبوش، جنوب لبنان، والبالغة من العمر 36 عاماً، مكان عملها إلى ملجأ لعائلتها وطوق نجاة حيوي للمصابين/ات. واتخذت سارة، إلى جانب زوجها الذي يدير قسم الطوارئ، قرارًا مؤثرًا، بإبقاء ابنتيهما البالغتين من العمر 6 و10 سنوات بالقرب منهما أثناء عملهما في هذه الأجواء المضطربة.
« في خضم الصراع المدمر، اضطررت إلى اتخاذ قرار صعب للغاية: تحويل مكان عملنا إلى منزل لعائلتي. اخترت أنا وزوجي البقاء مع أطفالنا إلى جانب المرضى والمصابين/ات. بذلت قصارى جهدي لتوفير الشعور بالأمان والطمأنينة، لكن الأمر كان غاية في الصعوبة.

كانت تلك الأيام من أصعب الأيام التي عشتها على الإطلاق. قبل أن تبدأ المعارك، قمت بتحضير أطفالي نفسيًا لما قد يحدث، وطمأنتهما بأنهما ستكونان بأمان إذا ما اضطررنا للانتقال إلى المستشفى. لم أرغب أبدًا في الابتعاد عنهما. أردت أن نلقى المصير نفسه: نرحل معًا أو نحيا معًا. وقد كان قرار إبقائهما بجانبي قرارًا مؤلمًا.
عاشت الطفلتان حالة من الهلع. كل صوت غارة جوية كان يرافقها بكاء. كانتا محتجزتين داخل المستشفى، ليلًا ونهارًا، وغالبًا ما كانتا وحيدتين، وهذا من أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي طفل. ورغم ذلك كنت مطمئنة أنهما بجانبي. كثيرًا ما شعرت بالذنب. وكنت قلقة للغاية على سلامتهما.
في أحد الأيام كنت مع ابنتي الصغرى أمام مبنى الطوارئ عندما اشتدت أصوات الغارات الجوية. كان المشهد مرعباً. بدا وسط النبطية وكأنه كرة عملاقة من النار. التفتت إليّ ابنتي والقلق يملأ عينيها وسألتني: "هل مات الجميع؟" تمزق قلبي ألماً. جعلني ذلك أدرك عمق الخوف من المجهول الذي يخلفه هذا الصراع عليهما.
خلال هذه الفترة، تغيرت ظروف العمل بشكل كبير. لم يعد الوضع يشبه السابق على الإطلاق. فقد فرّ العديد من الممرضين والممرضات بحثًا عن الأمان، بينما اكتظ المستشفى بالمرضى المصابين/ات بجروح خطيرة. كان عدد الضحايا مذهلاً. كل صوت إطلاق نار كان يعني سقوط المزيد من الضحايا. لم يكن لدينا وقت للراحة أو النوم.
لم نشعر بالخوف حينها، ولكن عندما توقف إطلاق النار، بدأ هذا الشعور يطفو على السطح. حتى الآن، ما زلنا نحاول لملمة شتات أنفسنا، وإعادة التفكير في أولوياتنا بينما نبحث عن مستقبل مفعم بالأمل لأنفسنا ولأطفالنا. وبصفتي رئيسة لقسم التمريض، فإن دوري لا يقتصر على الرعاية الصحية فحسب، بل يشمل أيضاً القيادة والمشاركة المجتمعية. على مدار السنوات الثلاث الماضية، بذلت جهودًا متواصلة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والبلديات المحلية لتمكين المرأة في مجتمعها. نؤمن بالقوة الفطرية للمرأة على التغلب على الصعوبات. والآن هو الوقت المناسب لتستعيد المرأة قوتها وتلعب دورًا نشطًا في بناء مستقبل أفضل.
لقد أحدثت جهودنا الجماعية فرقاً ملموساً بالفعل. في بادئ الأمر عندما توليت منصبي القيادي في المستشفى، واجهت رفضاً من بعض الزملاء الرجال الذين كانوا يشككون في قدرة امرأة على قيادة القسم. ومع ذلك، ومن خلال الحوار المستمر والتفاني في العمل، خطونا خطوات مهمة نحو مزيد من القبول والتعاون. إنني أؤمن إيماناً راسخاً بأن تعزيز المساواة بين المرأة والرجل وتعزيز الأدوار القيادية للمرأة، خطوتان حيويتان نحو بناء سلام مستدام، وخاصة في منطقة واجهت الكثير من الصراعات.»