بعد عامَين على انفجار بيروت، النساء والفتيات يتدرّبن كمُساعدات تمريض للمساهمة في مواجهة الأزمة المستمرة
التاريخ:
بعد مرور عامَين على الانفجار القاتل الذي ضرب مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وشرّد أكثر من 300 ألف رجل وامرأة، لا تزال آثاره مطبوعة في حيوات الناس بمَن فيهم النساء والفتيات المقيمات في المناطق المتضررة. بغية تلبية الاحتياجات الناشئة للنساء والفتيات المتضررات من الانفجار واللواتي يختبرن ظروف معيشية صعبة، أبرمت "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" شراكةً مع منظمة "الحركة الاجتماعية" المحليّة وغير الحكومية لتوفّر للنساء المتأثرات بالانفجار التدريب المهني والتدريب على المهارات الحياتية وذلك في إطار مشروع "سبل العيش في حالات الطوارئ للسكان المهمّشين/ات المتضررين/ات، في نطاق انفجار بيروت" الذي تم تنفيذه بالتعاون مع "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسف) وبدعم من حكومة النمسا.
عملت ريتا حبيب، 32 سنة، في مجال رعاية المسنّين والمسنات بعد طلاقها لإعالة نفسها وأطفالها الأربعة. في 4 آب/أغسطس 2020، كانت تهتم بمريضة في شقة كائنة في النبعة (على بُعد 4.5 كلم من مرفأ بيروت) عندما سمعت صوتًا مدويًا يصمّ الآذان. صعدت إلى الطابق العلوي لترى ما جرى، فصُدمت بمشهد رهيب يعمّه الدمار والضباب. ما زالت ريتا تتذكر كلّ شيء، تقول، "كان كل ما حولي محض حطام. أوّل أمر خطر في بالي في تلك اللحظة أن أهرع إلى المنزل للاطمئنان على أطفالي. لحسن الحظ، لم يصبهم أذى، لكنّ المنزل تضرّر على نحو كبير. بعد ذلك، تأكدت أنّ مرضاي بخير ووفّرت لهم علاجاتهم".
صحيحٌ أنّ ريتا لم تتضرّر جسديًا جرّاء الانفجار، إلا أنّها اضطربت بشدّة لسماع قصص الضحايا المؤلمة. تقول في هذا السياق: "فقدت أصدقاء لي كانوا يعملون في المستشفيات القريبة من موقع الانفجار. وفقد أصدقاء آخرون أطفالهم أو آباءهم أو أمّهاتهم أو أحباءهم. كنتيجة لهذا الانفجار، فقدنا جميعنا الشعور بالأمان."
وقع انفجار بيروت بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدها لبنان والتي تُعتبر من أسوأ الأزمات التي شهدها العالم خلال السنوات الـ150 الماضية، فأدّى الانفجار إلى تفاقم الوضع بالنسبة إلى عددٍ كبير من سكّان لبنان. أفاد تقييم أجرته "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" أنّ 50% تقريبًا من الأسر القاطنة في المنطقة المتضرّرة من الانفجار تعرّف عن نفسها كأسر تعيلها نساء، ومن المرجّح أن تُصَنِّف هذه الأسر الرعاية الطبيّة من ضمن احتياجاتها الأساسية، أكثر من سواها من الأسر.
بعدما أخبر أحد الأصدقاء ريتا عن برنامج التدريب المهني والتوظيف الذي توفّره "الحركة الاجتماعيةّ"، انضمت إلى التدريب المهني على المساعَدَة في التمريض. وتقول شارحة: "رغم أنني عملت ممرّضة خاصّة لمدّة عامين، افتقرت إلى الكثير من المعارف الطبية، وعجزت عن تحمّل تكاليف الالتحاق بمدرسة التمريض. لكن، بفضل برنامج التدريب، تعلّمت كيفية سحب الدم وحقن الإبر والقيام بالعلاج الوريدي وتنظيف الجروح وفكّ الغرز وتركيب قسطرة القلب". وتضيف: "قابلت أيضًا أشخاصًا من خلفيات مختلفة ما جعلني أدرك أنّ الكثيرين والكثيرات كانوا يعانون مصاعب عدة، مثلي تمامًا".
بعد التدريب، استكملت ريتا تدريبًا آخر في مستوصف مستشفى المقاصد في قصقص، في بيروت. وتقول في هذا الإطار: "سُررت بحصولي على هذه الفرصة، وأتحرّق شوقاً لمشاركة ما تعلّمته مع زملائي وزميلاتي".
مها الضامن طالبة أخرى في صفوف التمريض وتبلغ من العمر 30 عامًا، وهي لاجئة سورية وأمّ لستة أطفال ومعيلة لزوجها المريض. بالنسبة إليها، سمح لها التدريب الذي التحقت به أن تسدّ الفجوات الكامنة في مهاراتها.
كانت مها تبحث عن فرصة لتغطية نفقاتها ومساعدة ابنها البالغ من العمر سبع سنوات على التغلّب على الصدمة التي شعر بها بسبب انفجار مرفأ بيروت. وتشرح قائلة: "كان ابني في متجر الفاكهة والخضار القريب في برج حمود، على بُعد 4.5 كلم من المرفأ حين وقع الانفجار. أصيب بعد ذاك بحالة ارتجاع بولية مزمنة."
عندما بدأت مها دروس المُساعدَة في التمريض، لم تكن تعرف شيئًا عن الرعاية الطبية. تقول: "أودّ أن أعرب عن امتناني لهذا التدريب، من خلاله اكتشفتُ شغفي بمساعدة الآخرين. وكان الصف مكانًا آمنًا للتعلّم والنمو والتعرّف على أشخاص رائعين ".
منذ تفشي فيروس كوفيد-19، يتخبّط قطاع التمريض في لبنان، الذي يطغى عليه العنصر النسائي، في أزمة حادة. يهدف التدريب الذي توفّره "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، بالإضافة إلى دعم الأفراد المتضررين من الانفجار، إلى دعم قطاع التمريض عبر تزويد مُساعِدات التمريض بمهارات سريعة التطور ودخل إضافي.
خلال الأشهر الستة الماضية، تعلّمت مها كيفية توفير الرعاية الصحيّة والدعم الطبي للمرضى في مرفق للرعاية الطبية مخصص للمرضى المسنين والمعوقين والمصابين بأمراض عقلية وإصابات جسدية.
أما الآن، فتستعد للبدء بالعمل في مأوى للمسنين في برج حمود حيث ستساعد كبار السن في إنجاز المهام اليومية وتوفّر لهم الاحتياجات الطبية. تقول: "حلمت دوماً بإعادة تسجيل أطفالي في المدرسة إذ اضطررنا إلى إخراجهم من المدرسة بسبب الظروف المعيشية المتردّية، لكنّني الآن أدّخر المال لكي أوفّر لهم التعليم المناسب ومستقبلًا واعدًا."
توضح صالحة ناصر، منسقة برنامج سبل العيش في "الحركة الاجتماعية"، أنّ هذا التدريب ساعد النساء والفتيات على تعزيز الثقة بأنفسهنّ. وتقول: "سمح لهنّ بإيجاد مسار مهني ووظيفة لائقة."
تواصل "الحركة الاجتماعية" بحثها عن فرص عمل للنساء والفتيات اللواتي تخرّجن من دوراتها التدريبية في تموز/يوليو 2022. وفي هذا السياق، تقول راتشيل دور-ويكس، ممثلة "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في لبنان: "يوفر التوظيف مدخلًا للاستقلالية والأمن. نأمل أن ينمو العمل الذي نقوم به على نطاق واسع لدعم النساء في جميع أنحاء لبنان وتشجيعهنّ على الالتحاق بالقوة العاملة والمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد، وتحسين حياتهنّ وحياة أسرهنّ على السواء."