على لسان سوزان: "إلى جانب معالجة انعدام الأمن الغذائي الفوري، تعمل مطابخنا على تعزيز التضامن المُجتمعي"
التاريخ:
سوزان امرأة فلسطينيّة تبلغ 32 عامًا، تسكن في مخيّم البداوي للاجئين/ات الفلسطينيين/ات في شمال لبنان، وذلك على بُعد 5 كيلومترات شمالي شرقي مدينة طرابلس. أُنشئ المخيّم عام 1955، ويقف شاهدًا على التحديات المتراكمة التي يواجهها سكّانه من اللاجئين واللاجئات الفلسطينيين/ات. كما احتضن موجات عدّة من النازحين والنازحات، لاسيما خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة (1975-1990) ومن ثم الحرب السوريّة التي اندلعت عام 2011، وبات ملاذًا لمَن يبحث عن بر الأمان في خضمّ النزاعات.
انضمّت سوزان عام 2023 إلى مبادرة المطبخ المجتمعي التي أطلقتها هيئة الأمم المتّحدة للمرأة داخل مخيّم البداوي، وتولّت فيها وظيفة توعويّة حيث عملت على زيادة الوعي بكيفية االطهو وفقًا لميزانيّة محدودة وساعدت على تقديم وجبات ساخنة للعائلات التي تعيش في ظلّ ظروف معيشيّة صعبة، وذلك في إطار مشروع هيئة الأمم المتّحدة للمرأة "المساعدة الإنسانية للنساء من قبل النساء: المرأة تعمل لتساهم في الحدّ من فقر الدورة الشهرية وانعدام الأمن الغذائي خلال الأزمة اللبنانية". نُفّذ هذا المشروع من خلال المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية (INITIATE) وجمعية البرامج النسائية (WPA)، وبتمويل سخي من حكومة أستراليا، وهو يهدف إلى تزويد النساء بفرص الحصول على "النقد مقابل العمل" من خلال تحضير الوجبات الساخنة وتوزيعها على الأسر التي هي بأمسّ الحاجة إليها.
عاملة التوعية بالمطبخ المجتمعي سوزان ومديرة الرصد والتقييم في المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية (INITIATE) تسيران في مخيم البداوي. الصورة: المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية (INITIATE).
"تزوّجت في سنٍّ مبكرة في السادسة عشرة من عمري. وفي السنوات الأولى من زواجي، واجهت مشاكل صحيّة، أبرزها معركتي مع سرطان أنسجة الرحم.
أحمد الله أنّني تعافيت تمامًا من مرضي، لكنّني رزحتُ مع عائلتي المؤلّفة من أربعة أولاد وزوجي تحت عبء الديون المتزايدة، وكان أملي بالحياة يتضاءل شيئاً فشيئاً.
وفي ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي شهدها لبنان في عام 2019، ومع تفاقم الوضع، كنّا نناضل لتغطية نفقاتنا وتوفير لقمة عيشنا. كما أنّه ومع انخفاض فرص العمل وارتفاع معدلات التضخّم، كثيراً ما وجدت نفسي أتخبّط في اليأس والعجز.
وكان الوضع على هذه الحال حتّى سمع والداي بمبادرة المطبخ المجتمعي التي يديرها المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية (INITIATE) مع جمعية البرامج النسائية (WPA) في حيٍّ مجاورٍ لنا، فقرّرت أن أتسجّل فيها.
في سياق هذه المبادرة، أساهم مع 119 امرأة أخرى في تحضير الوجبات الساخنة وتوزيعها على الأسر اللبنانيّة والفلسطينيّة التي تعيش في ظلّ ظروفٍ معيشيّةٍ صعبة في أحياء مخيمات عين الحلوة والراشيديّة ومخيّم البداوي. وبالإضافة إلى معالجة انعدام الأمن الغذائي الفوري،[1] منحتني هذه المبادرة بصيص أمل ووفّرت لي الفرصة لتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي.
أكرّس جهودي أيضاً لنشر الوعي في شأن العادات الغذائيّة الصحيّة في المجتمع. وأرافق زميلاتي المسؤولات عن توصيل الوجبات الساخنة يوميًّا إلى المنازل المجاورة. وأثناء التسليم، أزوّد العائلات بمعلوماتٍ عن الطعام الصحّي والمغذّي، وأقدّم لها إرشادات مفيدة حول كيفيّة إعداد هذه الوجبات بميزانيّة محدودة. وقد لقيت نصائحي استحسانًا كبيرًا، وأعربت الأسر التي زرناها عن امتنانها لنا، ووعدتنا بتطبيق هذه المعارف المكتسبة في حياتها اليوميّة.
أنا أمٌّ لأربعة أطفال، وأتطلّع إلى تحقيق الكثير من الإنجازات بما يتخطّى الصعيد الشخصي. لقد زوّدتني هذه المبادرة بمهاراتٍ جديدة، فجعلتني مصدر إلهام لبناتي، ذلك أني أشجّعهنّ على إكمال تحصيلهنّ العلمي وتحقيق الاستقلال المالي. كما أنّني قادرة على إعالة أسرتي وتسديد الديون التي أثقلت كاهلنا لفترة طويلة بفضل الدخل الذي كسبته من هذه المبادرة.
هذا المشروع هو المحطة التي قلبت حياتي رأساً على عقب... وحوّلها نحو الأفضل. فبالإضافة إلى تأثيره الإيجابي على المجتمع، ألقى الضوء على الجانب المشرق من الحياة في مخيّم البداوي، وأثبتُ قدرة العمل الجماعي القائم على التمكين على زرع روح التضامن في النفوس، حتّى في أوقات الشدائد والمحن."
سوزان هي واحدة من 290 امرأة يعملن بنشاط في سبعة مطابخ مجتمعية تابعة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في جميع أنحاء لبنان، وهي مبادرة تبيّن التأثير العميق الذي تتركه جهود المجتمع المحلي. وبتمويل سخي من حكومة أستراليا، وزّعت هذه المطابخ أكثر من 120000 وجبة مغذّية على أكثر من 1500 أسرة، مما انعكس إيجابًا على حياة أكثر من 5700 فرد حتى الآن. ويذكر أنّ توفير الوجبات الساخنة يسهم في خفض نفقات المحتاجين/ات على الطعام، كما يضمن مصدرًا موثوقًا للعيش. ومن شأن هذه المبادرة الاستراتيجيّة أن تمكّن الأسر الضعيفة من إنفاق مواردها المدّخرة على الاحتياجات الأساسيّة الأخرى، والحال انها تجسّد أيضاً الإمكانات الكبيرة التي تحملها مبادرات المجتمع المحلي.