على لسان رجاء: "عبر الضحكة التي تشاركناها والوجبات التي أعددناها، وجدت العزاء وشعورًا بالانتماء إلى المجتمع لم أختبره قطّ"

التاريخ:

تبلغ رجاء إبراهيم زعرور من العمر 58 عامًا، وتعيش في قرية المرج في سهل البقاع في لبنان، على بُعد 52.8 كيلومترًا من بيروت، وهي تُعدّ مصدر إلهامٍ للقوة والتغيير في مواجهة الشدائد.

تتكشّف حكاية رجاء على خلفية المسؤولية العائليّة ذلك أنها كرّست نفسها لرعاية والدها البالغ من العمر 88 عامًا والذي يصارع الشلل الناجم عن مرض الخثرة الدمويّة. شاركت في مطبخ مجتمعي يتلقّى دعماً من هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، بقيادة منظمة "أركانسيال" غير الحكوميّة، وبتمويل سخي من الحكومة الأسترالية، وحصلت على النقد مقابل العمل لمدة 60 يومًا.

Rajaa Zaarour, a community kitchen worker at Arcenciel and UN Women community kitchen in Taanayel, Bekaa. Photo: UN Women/Nour Abdul Reda
رجاء زعرور، عاملة في المطبخ المجتمعي التابع لمنظمة "أركانسيال" غير الحكومية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في تعنايل، البقاع. الصورة: هيئة الأمم المتّحدة للمرأة / نور عبد الرضا

وُلدتُ بعجزٍ جسدي يسبّب لي اعتلالًا في الورك وعرجًا، وواجهت نظرة المجتمع المُجحفة، ولم أعرف كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. خلال نشأتي، كنتُ محطّ نظرات الازدراء والاستهزاء التي ذكرتني أنّني "مختلفة". وغالبًا ما تساءلت، "لماذا لستُ فتاةً طبيعية كالأخريات؟" أدركت لاحقًا أنّ هذا السؤال يتردّد لدى كلّ شخص من ذوي الإعاقة، ولستُ الأولى التي تطرح سؤالا مماثلاً.

 

على خلفية زواجي نلتُ حصة كبيرة من التحدّيات التي تفاقمت بسبب الصعوبات المالية والمشاكل الصحية التي عاناها زوجي السابق، والحال أنّ المشاكل المالية دفعته إلى التصرّف بعدوانية وغيرة فضلًا عن القيام بأفعال غير مبررة. كما عاملتني عائلة زوجي وكأنني لا أستحقّ ابنها بسبب إعاقتي، رغم أنّه كان مصابًا بالشلل. استنزف هذا الوضع قوتنا، فقرّرنا الطلاق، وكان ذلك منذ ثماني سنوات.

 

"بعد طلاقي، شعرت وكأنني تحرّرت من قيود كبّلتني طويلاً. وانتقلت للعيش مع والدي الذي يعاني أيضًا شللًا ناتجًا عن مرض الخثرة الدمويّة ويتطلب قدرًا كبيرًا من الانتباه والرعاية. كرّستُ كلّ لحظة من حياتي لخدمته ورعايته، بدءاً من إعداد وجبات الطعام له وصولاً إلى ترتيب المنزل. شعرتُ بيأس شديد لأنني لم أمتلك الوقت لأهتم بنفسي، والحال أنني أحسستُ وكأنّني أعيش لمصلحة غيري فحسب.

 

قبل بضعة أشهر، تعرفت على مبادرة المطبخ المجتمعي التابعة لمنظمة "أركانسيال"، وهي مبادرة تحويلية تدعمها هيئة الأمم المتحدة للمرأة. في البداية، كان المطبخ مجرّد مكان العمل الموقت، لكنه سرعان ما بات ملاذًا ألجأ إليه. عبر الضحكة التي تشاركناها والوجبات التي أعددناها، وجدت عزاءً وهدفًا وشعورًا بالانتماء إلى المجتمع لم أختبره قطّ.

كل يوم على مدى ثلاثة أشهر، كنت أصل إلى المطبخ في تمام الساعة 8:30 صباحًا، وأعدّ القهوة التركية لي ولزميلاتي في العمل. كنا نجلس معاً، ونتشارك الحكايات، لنبدأ بعد ذلك العمل عند الساعة 9:00 صباحًا. معًا، كنّا نعدّ الطعام ونطهو وجبات واسعة الانتشار في المجتمع اللبناني، على غرار الملوخيّة والمغربيّة، ثم نضعها في علب يتمّ تسليمها إلى العائلات التي تعيش في ظلّ ظروف معيشيّة صعبة.

 

أمّن لي هذا المشروع الاستقرار المادي، وأعاد إشعال شغفي بفنون الطهو التي لطالما استمتعت بممارستها. ففي كلّ يومٍ، وبينما كنتُ أقشّر البطاطا وأقطّع الطماطم كنتُ أختبر فرحًا عظيمًا وشعورًا بالرضى عن نفسي لأنني كنت أشارك في الطهو لمجتمعي.

 

بات المطبخ المجتمعي بمثابة فسحة حيث أشعر بالتمكين، فسحة تتيح لي نسج علاقات في قلب مجتمع يقدّر تفرّدي. إن تجربتي في هذا المجتمع هي صدى لتجربة الأفراد الذين\اللواتي رغم كلّ الشدائد التي واجهتهم\هن، يساهمون\ن في بناء عالم أكثر شمولًا ورحمة واستدامة - في المحصلة إن تحضير وجبة واحدة، يوازي فعل رعاية."

 

في إطار مشروع هيئة الأمم المتّحدة للمرأة "المساعدة الإنسانية للنساء من قبل النساء: "المرأة تعمل لتساهم في الحدّ من فقر الدورة الشهرية وانعدام الأمن الغذائي خلال الأزمة اللبنانية"، بالشراكة مع منظمة "أركانسيال" غير الحكومية وبدعم سخي من حكومة أستراليا من أجل الحد من فقر الدورة الشهرية وانعدام الأمن الغذائي خلال الأزمة اللبنانية، تتكشّف حكاية رجاء، وهي واحدة من بين 290 امرأة يعملنَ في سبعة مطابخ مجتمعية تابعة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، لتلقي الضوء على التأثير التحويلي الذي تعود به المبادرات المجتمعية على المجتمع. وقد تلقت أكثر من 1500 أسرة ما يزيد على 120 ألف وجبة متوازنة من المطابخ المجتمعية، واستفاد منها أكثر من 5700 شخص حتى الآن. ومن خلال تقديم وجبات ساخنة للمحتاجين، ساعدت هذه المطابخ الناس على توفير نفقات الطعام مع ضمان حصولهم على ما يكفي من الغذاء. وقد سمح ذلك للعائلات التي تعيش في ظلّ ظروف حياتيّة صعبة بتخصيص أموالها المدخّرة لضروريات أخرى.