قياديات لبنانيات يسهرنَ على تلبية احتياجات المرأة

التاريخ:

في ظلّ اشتداد النزاع وازدياد عدد النازحين/ات داخليًا في لبنان، تدير الناشطات الاجتماعيات مع النساء في المجال السياسي مبادراتٍ مختلفةً حرصاً على تلبية الاستجابة الإنسانية لاحتياجات المرأة. يطلّ ثلاثةٌ من هؤلاء النساء ليشاركنَ تجاربهنّ في هذا الإطار بصفتهنّ "منسّقات " ضمن منظمة المجتمع المدني "فيفتي فيفتي"، وذلك تحت راية مشروعٍ يتمحور حول مشاركة المرأة في الشؤون السياسية أطلقته هيئة الأمم المتحدة للمرأة بتمويل من المملكة المتحدة.

نجد 70 قائدة في منظّمة "فيفتي فيفتي"، وهنّ ناشطات سياسيًا واجتماعيًا في مجتمعاتهنّ المحلية، ويُعتبرنَ منسّقات ضمن المنظّمة. شاركت هؤلاء النساء بدايةً في دورات تدريبية وورش عمل استعدادًا للانتخابات البلديّة والبرلمانية. والآن، يبلغن مراكز مرموقة، على غرار غيتا عجيل وتتحدر من البقاع الغربي وتبلغ من العمر 57 عامًا. تحتلّ عجيل مركزًا سياسيًا، وهي ناشطة اجتماعية متفانية تتولّى مسؤوليات كبيرة في سياق النزاع القائم. 

انخرطت عجيل في المجال السياسي للمرّة الأولى عام 2004، حين ترشّحت للانتخابات البلدية في بيت لهيا براشيا الوادي وحقّقت الفوز. غير انها كانت ناشطة سياسيًا قبل العام 2004، وتلقّت تدريبات مختلفة منها ضمن مشروع سابق أطلقته هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2022 بتمويل من المملكة المتحدة.

في ظلّ التحديات الجمّة التي يواجهها مجتمعها، لاسيّما كبار السنّ منهم نساء ورجالاً، أسّست عجيل منظّمة اجتماعية وتنموية تركّز على تلبية احتياجات كبار السنّ تحت عنوان Cles De La Patience. ووسط التصعيد الحالي تؤدّي دورًا مهمًا في الاستجابة لاحتياجات الأفراد، حيث تقدّم العون للنازحين/ات داخليًا الذين انتقلوا إلى مراكز الإيواء، وتدعم العائلات المُضيفة لهم كذلك. على هذا النحو، تكرّس عجيل جهودها لمساعدة النازحين/ات، والنساء الأكبر سنًا على وجه الخصوص.

وتقول: "في ظلّ هذه الأوضاع العصيبة، تكافح المرأة خصوصًا من أجل التكيّف مع البيئات الجديدة. ولا شكّ أنّ تربية الأطفال في مثل هذه البيئات يترافق مع تحدّيات كبيرة، وغالبًا ما تشعر الأمهات النازحات بأنهنّ يفقدنَ السيطرة على أطفالهنّ. بالإضافة إلى ذلك، يواجه النساء الحوامل صعوبات في تأمين الأدوية اللازمة وإجراء الفحوصات المنتظمة لدى الطبيب."

لكن عجيل تشير أيضاً إلى أنّ حكايات الصمود التي اختبرها هؤلاء قد انطبعت في نفسها وألهمتها في مسيرتها.

alt text
أماني أبو زينب (يسارًا)، نهيلة سلامة (في الوسط)، غيتا عجيل (يمينًا)

مع تصاعد النزاع في الآونة الأخيرة، كرّست الناشطة الاجتماعية نهيلة سلامة جهودها للحرص على توافر لوازم النظافة الصحية للنازحات. سلامة من بيروت، تبلغ من العمر 43 عامًا، وقد أطلقت عام 2021 حملة لتعزيز الوعي بالدورة الشهرية وضمان إمكانية الوصول إلى لوازمها عبر توفير الدعم المالي لشراء الفوط الصحية.

وتقول: "حين بدأت هذه الحرب، أطلقتُ حملة جديدة في منطقة بيروت لدعم النساء النازحات وتذكير المجتمع بأهمية الفوط الصحية لاسيّما في هذه الفترة، ففي ظلّ هذه الظروف، تفقد المرأة خصوصيّتها وحريّتها لأداء أنشطتها اليومية."

توسّعت حملتها مع تصاعد النزاع لتشمل احتياجات النساء من الطعام وحليب الأطفال والملابس والبطانيات وما إلى ذلك.

علاوةً على ذلك، أفادت سلامة أنّ دورها في منظّمة "فيفتي فيفتي" يساعد في بناء الثقة بين مختلف الجهات. وتقول: "تشعر الأسر النازحة بالراحة لدى التعامل مع النساء المنسّقات، حيث تشعر معهنّ براحة أكبر وقدرة أكبر على التعبير عن مشاكلها ومخاوفها وهمومها. فجسر الثقة هذا الذي بنيناه بين المجتمع والمنسقات ساعدني أنا وزميلاتي على دعم أكثر من 30 أسرة في جميع أنحاء بيروت."

بالإضافة إلى ذلك، تقول سلامة إنّه من التحدّيات الرئيسية التي تواجهها الآن هو تأمين التمويل: "ما يقلقني هو كيف سأواصل دعم الناس إذا استمرت الحرب لعدة أشهر، ومن أين سأؤمّن لهم حاجاتهم اليومية. كما أنّ الحمّامات غير كافية، لأن مراكز الإيواء مزدحمة جدًا وعدد الحمّامات محدود جدًا. هذا إلى جانب الشحّ في المياه."

alt text
الصورة: أماني أبو زينب (يمينًا)

أماني أبو زينب، وهي أمّ من صيدا تبلغ من العمر 44 عامًا، بدأت العمل الاجتماعي في مجتمعها المحلي عام 2017، ثم انخرطت لاحقًا في الأنشطة السياسية خلال تظاهرات 17 تشرين الأول\أكتوبر 2019 في صيدا.

منذ اندلاع النزاع الأخير، تتعاون أماني مع منظمة "فيفتي فيفتي" وجهات اتصال محليّة تنشط في 22 مركز إيواء في صيدا لإنشاء مبادرة مجتمعية تدعم النازحين\ات. وتأوي مراكز الإيواء هذه حاليًا حوالي 7000 نازح\ة، بالإضافة إلى 5000 شخص يقيمون في منازل خاصة.

وتقول: "بالتعاون مع المبادرات المحليّة والمنظمات غير الحكومية، أنشأنا أنا وفريقي شبكة لإدارة الأزمات لتحديد احتياجات المجتمع ومعالجتها. وتشتمل مهمتي على تقييم الاحتياجات اليومية لهذه الأسر وتنسيق توصيل المساعدات إليها. عادت تجربتي السابقة بالفائدة على المجتمع، لاسيّما في تحديد احتياجات أفراده بكفاءة، والتخطيط لسبل التواصل معهم، وتأمين الجهات المانحة والمموّلة."

تشير أبو زينب أيضًا أنّ تأمين لوازم النظافة يشكّل تحديًا بسبب العوائق الاجتماعية والثقافية. أمّا الخصوصية فهي مسألة أخرى، خصوصًا بالنسبة إلى النساء المحجبات، كما أنّ العدد المحدود من الحمامات في مراكز الإيواء يفاقم الوضع أكثر فأكثر. هذا وتواجه النساء الحوامل عددًا من المشاكل بسبب غياب الدعم الكافي في مراكز الإيواء، خاصة وأنّ الكثير منهنّ ينحدرنَ من مناطق مختلفة ويفتقرنَ إلى المعارف في محيطهنّ الجديد.

وتتذكر قائلة: "لن أنسى أبدًا تلك المرأة الحامل بطفلها الأوّل التي اضطرت إلى الانتقال إلى مركز إيواء بسبب الحرب. كانت تعاني ضغوطًا عاطفية، حيث تركت منزلها وأملاكها بعد أن أعدّت الغرفة لاستقبال طفلها. قرّرتُ البقاء بجانبها حتى تلد، ونسّقتُ مع الجهات المحليّة لتحديد المستشفيات والأطباء الراغبين في مساعدتها. وعندما حان موعد الولادة، رافقتها إلى المستشفى... تلك كانت من أكثر اللحظات المؤثرة التي اختبرتها في تلك الفترة، وأعربت المرأة عن امتنانها الكبير للدعم الذي قدّمته لها."

كما أضافت أنّ المجتمع كان داعمًا للغاية، فبالإضافة إلى دعم النساء، وجد الرجال فُسحةً لهم ليعبّروا فيها عن مخاوفهم أمام المنسّقات، ورحّبوا بوجودهنَّ إلى جانبهم في هذه المحنة.

وختمت أبو زينب قائلةً: "إنّ اكتساب ثقة الناس هو أمرٌ يحفّزني، وهم أصبحوا يحتاجون إليّ لأمكث إلى جانبهم، وهكذا فعلت، وقفتُ إلى جانبهم ودعمتهم حتى النهاية. هذه الحرب مختلفة تمامًا عن أي شيء اختبرته في حياتي، لكنني أعتقد أنّها ستقلّص المسافة بين اللبنانيين\ات وتقرّبهم من بعضهم البعض."