على لسان سلمى*: "نحن، النساء والفتيات، نستحقّ الأفضل."
التاريخ:
تحذير: يتضمّن النص التالي وصفًا للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
رغم تغلغُل العنف ضدّ المرأة في المجتمعات، ثمّة طرق للحدّ منه. على مرّ حملة الأيّام الـ16 يوماً لعام 2022، سنلقي الضوء على برامج ومبادرات أطلقتها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" وشركاؤها لتحدث فرقاً في حياة النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم. وتُثبت هذه القصص حول تأثير هذه البرامج والمبادرات أنّ بناء المستقبل الواعد ليس ممكناً فحسب، لا بل بات حقيقة قيد الإنشاء.
إنّ مشروع "دعم النساء المستضعفات وضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي للحصول على الحماية والعمل وغيرها من الفرص المدّرة للدخل" الذي تموّله حكومة النمسا يصبو إلى تقديم المساعدة القضائية والنفسانيّة للناجيات من العنف. وفي إطار هذا المشروع، تدعم "هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان" منظّمة "كفى" المدنيّة اللبنانيّة التي تسعى إلى كسر البنى الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التمييزية تجاه النساء.
سلمى*، 26 عامًا، لبنانية وأم لثلاث فتيات. حين كانت في الثالثة عشرة من العمر، هربت بهدف الزواج من جارها البالغ من العمر 16 عامًا، آملةً الفرار من ممارسات زوجة أبيها التعسفيّة، ظنّاً أنّ الزواج سيمنحها الحرية التي تنشدها. لكن بدلاً من ذلك، فتح لها الزواج الباب أمام المزيد من الإساءة والعنف.
"ترعرعتُ في كنف منزل حيث تعرّضت للإساءة من قبل أبي وزوجته على حدٍّ سواء. وأردت التحرّر من هذا السجن فتزوجت بجاري حين كنت في الثالثة عشرة. اعتقدت أنني أحبّه وأنّه سيوفّر لي الحماية. لكن بان لي أنّ توقعاتي كانت خاطئة. اعتقدت أنّ الزواج ممتع، وكأنّه لعبة يمارسها شخصان في منزل كبير يعجّ بالأثاث النابض بالألوان. أنجبت ابنتي الأولى في سنّ الرابعة عشرة وابنتيّ الأخريين قبل أن أبلغ الثامنة عشرة من عمري.
بعد مرور عامين على زواجنا، بدأ زوجي يتعاطى المخدرات وترك وظيفته، فبدأت تظهر عليه أولى علامات الإساءة تجاهي أجبرني على التسوّل في الشوارع، وكان يلكمني بشدّة حتّى أُصبت بكدمات، وكان ينفق مدّخرات الأسرة على المخدّرات. وفي فورة من الغضب، كان يقلب طاولة العشاء فوق رؤوسنا.
في أحد الأيام، شهر سلاحه عليّ داخل المنزل وأمام أطفالنا وهدّدني. لم أهتمّ في حال أطلق النار عليّ، ذلك ان الموت كان سبيلي الوحيد للتخلّص من هذا العذاب. لحسن الحظ أخطأ التصويب، واخترقت الرصاصة الحائط من دون أن تؤذي أحداً.
أخبرتني إحدى صديقاتي أنّ منظمة "كفى" تقدّم الدعم للناجيات من العنف، وفي وسعها تقديم الدعم والمساعدة لي أيضًا. في البداية، شككت في الأمر ذلك ان اليأس كان مسيطرًا عليّ. أتحدّر من أسرة كبيرة تشبه القبيلة وتشجّع تقاليدها الرجال على ضرب زوجاتهم في حال "أسأنَ التصرف". وكثيرًا ما سمعت: "لا بأس إن ضربك زوجك. ماذا فعلت لتغضبيه؟ على الأرجح إن الخطأ هو خطؤك".
رغم أنّني لم أصدق أنّ أحدهم في وسعه مساعدتي، تواصلت مع منظمة "كفى". ولم يلبث أن منحني أعضاء في المنظمة هاتفاً محمولًا وطلبوا\طلبن منّي إخفاءه واستخدامه عند تعرّضي للخطر.
وسألتهم/ن أوّلًا: "هل ستخبرون/ن أحدهم ؟" طمأنوني بأنهم سيحمون/ين هويتي ويحفظون/ين سلامتي. وللمرّة الأولى في حياتي، رأيت بصيص أمل يلوح في الأفق.
بعد أيام قليلة، أخبرت زوجي أنني سأصطحب الأطفال إلى المدرسة. فغادرنا المنزل ولا شيء معنا سوى الملابس التي ارتدينها وبعض المستندات القانونية. ركضنا بأسرع ما يمكن إلى أن وصلنا إلى مركز منظمة "كفى". قدموا/ ن لنا المأوى على الفور، وعيّنوا/ن لنا محاميًا ووفّروا/ن لنا العلاج النفسي الذي نحتاجه.
خضتُ معارك قانونية صعبة خلال اتمام معاملات الطلاق وحضانة الأطفال وذلك بسبب قوانين الأحوال الشخصية الطائفية المعقّدة في لبنان. لكن وبفضل دعم منظمة "كفى" حصلت على الطلاق قبل سبعة أشهر ونلتُ حضانة بناتي الثلاث . نقيم الآن في شقة متواضعة في بيروت. أعمل مقدّمة للرعاية الصحية لدى زوجين مسنّين، وتذهب بناتي إلى المدرسة. صحيحٌ أنّ هذا ليس كثيراً، لكنني أشعر بسعادة غامرة لم أشعر بها قطّ.
لما تصوّرت أبدًا أنني سأبلغ هذه المرحلة قبل ثلاث سنوات من اليوم، وأشعر بالقوة والفخر والإيجابية إزاء ما ينتظرني في المستقبل. تخلت عني أسرتي بعد الطلاق ذلك أنّ الانفصال عن زوجي يعدّ أمرًا مرفوضًا ومخزيًا في مجتمعنا. لكنّني لا أهتم لهم، وأعتبر نفسي أقوى امرأة في مجتمعي. ربما فقدت أسرتي، لكنني ربحت الحرية والعدالة لبناتي، وهذا كل ما يهمّني.
وها إنّي أقول لجميع النساء: لا تخَفنَ. ارفعن صوتكنّ واطلبن المساعدة. حتى لو بدا الأمر مستحيلًا، ثمّة مخرج دوماً. يجب أن نتكاتف ونمكّن بعضنا البعض للخروج من العلاقات المسيئة. نحن، النساء والفتيات، نستحق الأفضل."
*ملاحظة: جرى تبديل الاسم حفاظًا على خصوصيّة المرأة المعنيّة وهويتها.