من موقعي هذا: "ينبغي لتكاتف النساء داخل المجتمعات أن يكون مسعانا لتحقيق الحقوق العادلة للجميع"

التاريخ:

وفقاً لدراسة حديثة أجرتها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"[1]، أفادت واحدة على الأقل من كل عشر أسر لبنانية ومهاجرة وسورية أن أفراد الأسرة من النساء يتجنّبن مناطق معيّنة لعدم أمانها. تالا، 46 عامًا، من منطقة الشلفة في طرابلس، لبنان، هي إحدى الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي وقد شعرت بعدم الأمان في المجالين العام والخاص. وعلى رغم ذلك، تحوّل خوفها إلى قوّة من خلال دورات الدفاع عن النفس التي تابعَتها في المركز المجتمعي "مركزنا"، ممّا سمح لها بأن تصبح داعيةً لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات في مجتمعها وركيزة له.

تُعتَبَر دورات الدفاع عن النفس جزءاً من حزمة أوسع من الخدمات التي تقدّمها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" والتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني في إطار المشروع المشترك بعنوان "استجابة متعدّدة القطاعات للأزمة الإنسانيّة في طرابلس من خلال نهج الأمن البشري"، بقيادة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية واليونيسيف و"هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، وبتمويلٍ من صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للأمن البشري، بالشراكة مع جمعيّة الفيحاء ومؤسّسة رينيه معوّض والتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني وبلديّة طرابلس. ويهدف المشروع إلى تحسين أمن المجتمعات المحليّة وقدرتها على الصمود في محيط منطقة الشلفة في طرابلس، من خلال تلبية الاحتياجات الأساسيّة وتعزيز تقديم خدمات الحماية.

وقد خضع "مركزنا" لعمليّة إعادة تأهيل، ممّا مكّنه من مواصلة عمله المتمثّل في تقديم الخدمات الأساسيّة للنساء والأطفال في بيئة آمنة وشاملة. ويقدّم المركز مجموعةً من النشاطات، منها التوعية بالقضايا المتعلّقة بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والدفاع عن النفس، ودورات التربية الإيجابيّة، بالإضافة إلى ورش النجارة وغيرها من البرامج. وتساهم هذه النشاطات في تحقيق الرفاه العام للمجتمع المحلّي وتعزيز ثقافة المساواة والاحترام.

 

Naifa, 46, from Shalfeh, Tripoli, Lebanon.

تالا، منطقة الشلفة، طرابلس، لبنان. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان/ نور عبد الرضا

 

"لم يعلّمني والداي كيف أدافع عن نفسي من الأذى والعنف قطّ. أعتقد أنّ الأمر يرتبط بالثقافة، في بعض الحالات، وأعتقد أيضاً أنّ في المجتمعات حيث يسود الفقرٍ يتم تجاهل حقوق المرأة لإفساح المجال للاحتياجات الغذائيّة، أو ربّما يكون الأمر نتيجة نقص في الوعي بالخطر المُحدق بالمرأة في المجتمع وفي المنزل.

في عام 1997، تزوجت وأنا اليوم أم لتوأمتين وابن. لفترةٍ طويلة، كان زوجي يسيء إليّ جسديّاً وعاطفياً. ورغم الإساءة، حاولت إخفاء الأمر عن أطفالي لأنني لم أرغب في أن أسبب لهم الصدمة. لكنّهم كانوا يرون الندوب، ويطرحون أسئلة لم يكن من السهل الإجابة عليها.

كانت المشاركة في جلسات الدفاع عن النفس والتمكين نقطة تحوّل بالنسبة لي. حوّلتُ خوفي إلى قوة. كنت أخاف من المشي ليلاً في الخارج، ومن زوجي، ومن المجتمع. لقد تعلّمنا [نحن النساء] أن نختبئ ونغطّي أنفسنا وألّا نقاوم أبداً. لم أعد أنصاع لهذا الواقع؛ أشعر الآن بالقوّة الكافية لتحريك الجبال عقليًّا وجسديًّا.

أما بالنسبة لجلسات التمكين فقد صُدمت من قلّة معرفتي بحقوقي كامرأة وإلى أيّ حدّ لا يزال النظام الذكوري قائماً. لقد أدركتُ ما هي الإجراءات القانونيّة الّتي يمكنني اتباعها للمطالبة بحقوقي وللحفاظ على صحتي الجنسيّة والإنجابية، وتعلّمت كيفيّة التعبير عن رأيي من دون الشعور بخجل أو بوصمة عار.

تعيش نساء كثيرات في مجتمعي في حالات مماثلة. نحكي لبعضنا البعض قصصنا بهمساتٍ خافتة ذلك أننا نخشى التحدث عنها بصوتٍ عالٍ. لم أعد أعتقد أنّنا الحلقة الأضعف. أنا لا أؤمن بإشعال الصراعات، لكنّي أؤمن تمامًا بالدفاع عن نفسي من الأذى. وبعد متابعتي دورات الدفاع عن النفس، تمكّنت من حلّ الخلافات التي كانت بيني وبين زوجي في المنزل. أشعر الآن براحةٍ أكبر في التعبير عن نفسي وعمّا أريد كما ألجأ إلى التفاوض لحلّ الخلافات والحدّ من التصعيد بيني وبين زوجي أو بيني وبين أشخاص آخرين من مجتمعي.

لقد أصبحت مناصرة لرفع مستوى الوعي حول العنف ضد النساء والفتيات من أجل بناتي والنساء في مجتمعي. لقد عشتُ حياتي كلّها هنا، لذلك أعرف قصص النساء اللّواتي واجهن العنف ويخفنَ من التحدّث. أصبحت أتكلّم مع جيراني عن خدمات التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني وكيف غيّرت حياتي، ومنهم\ن من يتطلّع الآن إلى الحصول على الخدمات عينها. لقد أنشأنا شبكة أمان تقوم بالمناصرة وتضمّ أصواتاً غير مسموعة عادةً بات يتردّد عاليًا صداها ليصل إلى النساء اللواتي يختبئن في صمت.

 ينبغي لتكاتف النساء داخل المجتمعات أن يكون مسعانا لتحقيق الحقوق العادلة للجميع. يحتاج النساء داخل المجتمعات إلى الإتحاد لإحداث تغيير مجتمعي. نحن نعرف القصص ونعرف الألم الذي عادة ما يجري إخفاؤه، ما أن تخرج المرأة من منزلها؛ نُقدّم نحن المثال الحيّ عن إمكان تغيير حياتنا والسبيل إليه من خلال طلب المساعدة."

 

تالا هي واحدة من 190 امرأة تلقّين دروس الدفاع عن النفس وواحدة من 942 امرأة وفتاة شاركن في جلسات توعية في المركز المجتمعي "مركزنا" متعلقة بالعنف ضد المرأة، والصحّة والحقوق الجنسيّة والإنجابيّة، والزواج المبكر، والحقوق القانونيّة. مشروع "الاستجابة المتعددة القطاعات للأزمة الإنسانية في شمال لبنان من خلال نهج الأمن الإنساني"، مموّل من صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للأمن البشري وينفذّه موئل الأمم المتحدة واليونيسف وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بالشراكة مع جمعيّة الفيحاء، ومؤسّسة رينيه معوّض، والتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، وبلدية طرابلس.

يهدف المشروع إلى تحسين أمن المجتمعات التي تعيش في محيط منطقة الشلفة في طرابلس من خلال تعزيز تقديم خدمات الحماية للأطفال والنساء على مستوى المجتمع، والأنشطة التعليميّة والنفسيّة والاجتماعيّة للأطفال ومقدّمي ومقدّمات الرعاية، ومن خلال التدريب على مهارات كسب العيش وإتاحة الفرص للنساء والشباب لتعزيز فرص العمل والتمكين.