من خلال الوساطة تجد جنى وسيلةً لبناء السلام في لبنان
التاريخ:
بعد أن ساعدت جنى أبي مرشد الفتيات في التعبير عن أنفسهنّ عبر المسرح، ها هي ترتكز على قدرة الوساطة لحلّ النزاعات والتوعية على السُبل اللاعنفيّة.
على مدى سنواتٍ عدّة، اعتمدت جنى أبي مرشد البالغة من العمر 58 عامًا على المسرح لتُسمع صوت الفتيات في لبنان. تدرّس أبي مرشد التمثيل المسرحي وترتكز عليه كوسيلة لتضميد الجروح الناتجة عن العنف في لبنان، وتعزيز الحوار، وبناء السلام وتعزيز الوئام والتفاهم في المجتمع. على مدى مسيرتها، تلمّست جنى، على نحو مباشر، تأثير العنف والنزاعات على حياة المرء، على المستويَين الوطني والمحلي على السواء. بعد قيادتها في العام 2019 لمسيرةٍ سلميّة، قرّرت جنى تغيير مسار عملها لتنتقل من تعليم التمثيل المسرحي إلى العمل على المسائل المرتبطة بطرق التواصل بين المجتمعات وبالسلام، حصراً. بفضل منحة دراسية قدّمتها لها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" لمدة عام، بدأت جنى في شهر تشرين الثاني/نوفمبر في عام 2021 متابعة دروسَ الوساطة في المركز المهني للوساطة، في جامعة القديس يوسف.
تقول جنى: "إن النساء والفتيات يمثّلن الشريحة الأكبر من ضحايا العنف والنزاعات في لبنان. يمرّ السبيل للتصدّي جزئياً لهذا الواقع عبر الدفاع عنهنّ والعمل على إحلال السلام في مجتمعاتنا بغية أن نلعب دورًا في تحويل الانقسامات والخلافات بين الناس إلى مساحات للحوار ونشر ثقافة اللاعنف وحلّ النزاعات. حظّي كبير لحصولي على هذه المنحة الدراسية إلى جانب نساء أخريات، ذلك ان التدريب على الوساطة علّمني الكثير بشأن قوّة الحوار والوساطة وأهميتهما في حلّ النزاعات، ولاسيّما بعد الحرب الأهليّة التي شهدها لبنان. لقد تعلّمت وسائل مختلفة للوساطة يمكن استخدامها في مجتمعاتنا، بما في ذلك الفنون المسرحية".
الوساطة: وسيلةً فعّالةً لحلّ النزاعات
في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تصاعّدت التوتّرات لتتحول إلى اشتباكات بين أهالي منطقتَي عين الرمانة والشياح. والحال ان شارعاً واحداً يفصل ما بين هاتين المنطقتين اللتين ذاقتا المرّ على إثر سنوات من الاشتباكات الطائفيّة المسلّحة خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة. في أعقاب هذه الاشتباكات، دعت جنى نساء من المنطقتين إلى اللقاء. والحال انهن التقينَ واتّفقنَ على تنظيم "مسيرة من أجل السلام".
وتقول جنى في هذا السياق: "قلتُ لهنّ إنّنا بحاجة ماسّة إلى مبادرة تضامنيّة ما بين المجتمعات المتخاصمة. ولتحقيق هذه الغاية، لا بدّ من تحفيز روح اللاعنف لدى النساء. في البداية، لاقت فكرتي معارضة قويّة من طرف نساء كلا المجتمَعَين، إلّا أنهنّ سرعان ما بدأن ينضممنَ إلى المسيرة تدريجيًّا. انطلقنا في المسيرة، وعبرنا من حيٍّ إلى آخر، وشعرنا كأنّنا نحطّم، من خلال مسيرتنا السلميّة هذه، حواجز الكره والعنف والخلافات لنوصل رسالة قائمة على المحبّة والسلام والوئام والعيش المشترك. وفي كلّ خطوةٍ خطوناها، حقّقت النساء إنجازًا كبيرًا وغدونَ وسيطات وبانيات للسلام."
وتضيف: "مع تحقيق هذا النجاح، أدركت أكثر من أيّ وقت مضى قوّة الحوار والوساطة في حلّ النزاعات وقدرة النساء على تحفيز المبادرات السلميّة في مجتمعاتهنّ. حينها، كثّفت المساعيّ لإيجاد برامج تدريبيّة تعلّمني كيفيّة إجراء الحوار وبناء السلام، وعَلِمت بخصوص "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" وعملها الرامي إلى دعم مشاركة النساء في مبادرات السلام والأمن في لبنان."
تدأب "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" على دعم الجهود الساعية إلى إحلال وبناء السلام وترسيخ الاستقرار في البلاد فضلًا عن دعم انخراط النساء المتزايد في الوساطة وحلّ النزاعات، فقدّمت دعمها لوسيطات في المجتمع المحلي من جميع أنحاء لبنان، ينتمين إلى 11 شبكة محليّة تهدف إلى حلّ النزاعات المجتمعيّة على نحو فوريّ وإلى تعزيز ثقافة اللاعنف.
في الإطار نفسه، تقول راتشيل دور-ويكس، ممثلة "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" في لبنان: "نحتاج إلى حشد أكبر عددٍ ممكن من الجهات الفاعلة والحلفاء لنعمل سويًا على إرساء السلام وتعزيز الحوار وتخفيف حدّة الصراعات في لبنان. ولا بدّ من ربط مساعداتنا الإنسانيّة بالعمل المهم الذي نقوم به لإيجاد حلول للتوتّرات الاجتماعية السابقة والحاليّة التي يتخبّط فيها لبنان."
في وسط التحديات والمصاعب نجد الأمل
تضيف جنى في الإطار نفسه: "يقوم إحلال سلام طويل الأمد على ركائز أساسيّة تتجلّى في تحديد أسباب النزاعات ومحفّزاتها والعمل على الحدّ من الظلم الذي يؤدّي إلى الخلافات. لذلك، نتعاون مع مجتمعات عدّة لنساعدها في حلّ مشاكلها بالاعتماد على الحوار والتواصل اللاعنفي. ورغم كلّ الجهود التي نبذلها، ما زال أمامنا مشوار طويل حافل بالمصاعب والتحدّيات. وسأواصل مسيرتي، إلى جانب عددٍ من النساء الأخريات، لنسعى سويًّا إلى اعتماد الوساطة طريقةً لحلّ النزاعات في مجتمعاتنا ونؤدّي بالتالي دورًا جوهريًّا في بناء مستقبل آمن ومستدام للبنان."
*أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة برنامج إدارة النزاعات وحلّها بالتعاون مع جامعة القديس يوسف - المركز المهني للوساطة، وبدعمٍ سخي من مؤسسة ريبيكا دايكس وحكومة فنلندا، ويصبو هذا البرنامج إلى اعتماد أكثر الوسيطات مهارةً وتأمين استمرارية شبكات الوساطة، في الوقت عينه.