بانياتُ السلام من جنوب لبنان هُنّ مثال على القوة والعزيمة
التاريخ:
في ظلّ تصاعد العنف في جميع أنحاء لبنان، تتحدّث ثلاث وسيطات عن عملهنّ وعزمهنّ على دعم مجتمعاتهنّ.
تصاعدت الاشتباكات العنيفة على طول الخط الأزرق خلال الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع تزايد الغارات الجوية وأعمال العنف في جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك قلب بيروت. ووفقًا للنداء الإنساني العاجل الذي أطلقته الأمم المتحدة، تشير تقديرات السلطات الوطنية إلى أنّ أكثر من مليون شخص قد نزح حتى تاريخ 29 أيلول/ سبتمبر ، ومنهم حوالى 53 بالمئة نساء.
وسط تزايد انعدام الأمن، تعاونت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع منظمة "إنترناشونال ألرت" والمركز المهني للوساطة في جامعة القديس يوسف، وذلك في إطار مشروعها الإقليمي "المرأة والسلام والأمن في المنطقة العربية، المرحلة الثالثة"، ساعيةً إلى الاستفادة من الدور الذي تؤدّيه الوسيطات المحليات في جنوب لبنان في دعم الأعمال الإنسانية ضمن المجتمع المحلي، وذلك بتمويلٍ سخي من حكومة فنلندا.
تعمل الوسيطات المدرّبات على تعزيز ثقافة اللاعنف والمصالحة في جنوب لبنان. وبقي البعض منهنّ صامدًا في قراه، في حين نزحت غالبيتهنّ في الآونة الأخيرة إلى مناطق أكثر أمانًا. ورغم الظروف الصعبة التي يرزحنَ تحت وطأتها، ما يزلنَ مثالًا على الصمود والقوة وعلى دعم المرأة للمرأة خلال الأزمات.
التغلّب على الإجهاد
سمر سليم نوفل، وسيطة محلية وأخصائية اجتماعية من قضاء حاصبيا تبلغ من العمر 45 عامًا. رغم انعدام الأمن والمشاكل الصحية الخطيرة التي تعاني منها، بقيت في قريتها حتى الآونة الأخيرة.
وتقول في هذا السياق: "لقد قررت البقاء رغم خطورة الوضع، أولاً بسبب الأعباء المالية التي تترافق مع المغادرة إلى مكان آخر، وخصوصًا أنّني أخضع لعلاج سرطان الثدي، ما يزيد من الضغوط المالية والنفسية كذلك. غير أننا اضطررنا إلى مغادرة قريتنا بسبب تردّي الأوضاع الأمنية، ونرزح مذّاك تحت ضغوط نفسية كبيرة ويعترينا الخوف بسبب القصف من حولنا والطيران الحربي غير المنقطع. علاوةً على ذلك، لم أستطع الوصول إلى المستشفى لتلقي العلاج وتأمين الأدوية اللازمة... لقد تأثرت عائلتي ومجتمعي كثيرًا بسبب عدم الاستقرار، والخوف المستمر من القصف، وعدم إمكانية الوصول إلى جميع الخدمات. … بدأ التعب الذي تسلّل إلى دواخلنا، ينهشنا شيئًا فشيئًا."
وتضيف نوفل أنّ الانضمام إلى مشروع هيئة الأمم المتحدة للمرأة ساعدها على التعامل مع هذه الظروف العصيبة، وعلى دعم الآخرين وتشجيعهم\ن على فعل الأمر عينه، ولا يتحقّق ذلك من دون الإصغاء الفعّال والتخفيف من الإجهاد.
وتابعت كلامها: "هذا عنصر أساسي في أعمال الوساطة والاستجابة [الإنسانية] الحالية. تؤدّي هيئة الأمم المتحدة للمرأة دورًا جوهريًا أيضاً في الحدّ من الإجهاد، إذ تنظّم جلسات للدعم النفسي والإصغاء عبر تطبيق "زوم"، ما ساعدني في التغلّب على صعوبات عدّة واجهتها خلال هذه الفترة."
الوصول إلى النساء والأطفال ذوي الإعاقة
لينا أبو كرنيب، 55 عامًا، هي وسيطة محليّة ومديرة مركز حاصبيا للرعاية والتنمية الذي تركّز دعمه في البداية على الأشخاص ذوي الإعاقة قبل أن يوسّع نطاقه ليشمل التدريب المهني للنساء والأطفال والشباب. وتقول إنّ النزاع أجبر النساء والأطفال ذوي الإعاقة على البقاء في المنازل، ما أثّر سلبًا على صحتهم النفسية والعلاجات التي كانوا يتلقونها في المركز.
علاوةً على ذلك، ساعد المركز النازحين والنازحات من القرى المجاورة حيث وفّر لهم المأوى والاحتياجات الأساسية. لكن في ظلّ التصعيد السريع للأحداث، ومع القصف المكثّف وانقطاع شبكة الإنترنت والكهرباء، انقطعت لينا عن العمل ولم تعد قادرة على تأدية واجباتها.
تقول في هذا السياق: "لقد كان الأمر صعبًا للغاية، وأثّر فينا على الصعيدين النفسي والاقتصادي، فالناس خائفون، لكنّني قرّرتُ البقاء مهما كانت الظروف." وتقول إنّه رغم عجز الموظفين\ات على الذهاب إلى مكاتبهم، سُدّدت رواتبهم لهذا الشهر، "لكننا غير متأكدين مما سيحدث في المرحلة المقبلة."
هذا وتشجّع النساء على ألّا يصبحن سجينات مخاوفهن، وتقول: "يجب أن نؤمن بمهاراتنا وقوتنا، وأن نستخدم معرفتنا ونحافظ على فكرٍ إيجابي، فغدًا يوم أفضل بالتأكيد."
الإصغاء التعاطفي للشفاء والتمكين
قالت فاتن شلهوب: "الوضع فوضوي للغاية. باتت صور أرضاً قاحلة. عائلتي وأصدقائي متفرقون كلّ واحدٍ في صوب، إنّهم بصحة جيدة، لكن الوضع صعب جدًا." فاتن مدرّبة ووسيطة محلية في صور بالغة من العمر 41 عامًا. أسّست الجمعية الخيرية للتنمية الفكرية لتعزيز بناء السلام وقدرات النساء والشباب ولرفع الوعي المجتمعي.
يوفر المركز خدمات الوساطة الأسرية والإصغاء النشط والتعاطفي، بالإضافة إلى التدريب التفاعلي للنساء والفتيات النازحات بشأن سبل التواصل الإيجابي واللاعنفي وكيفية إدارة النزاعات. وكما تقول شلهوب، فإن مهمتهم\ن تتمثل في تمكين النساء باعتبارهنّ "عناصر فاعلة رئيسية في حماية النساء الأخريات. وعملنا جزء من سلسلة طويلة من النشاطات التي تستهدف النساء الفاعلات اللواتي يكرّسنَ جهودهنّ لتمكين المرأة ودعم النساء الأخريات."
ولكن، بسبب التصعيد الأخير، لم تعد قادرة على دعم النساء سوى عن طريق التواصل الهاتفي. وتقول: "نحن في حالة حرب، كلّ شيء يتعرّض للقصف، نزح معظم النساء، وبقي البعض الآخر في مراكز النزوح في صور. في الوقت الحالي، ينصبّ التركيز على دعم العائلات، فالأوضاع متردّية للغاية، ونحن راهنا نكافح للصمود."
ومع ذلك، تقول إنها تثابر على عملها لأنها "لا تريد أن تكون ضحيّة بعد الآن". فاتن الآن باتت نازحة وتقيم في عبرا، في صيدا، وتحاول إطلاق نشاطات مماثلة في موقعها الجديد.