على لسان رشا أبو خروب: « أجد الراحة في دعم الآخرين »
التاريخ:
تكرّس رشا أبو خروب نفسها لمساعدة المجتمعات الضعيفة، وهي اختصاصية اجتماعية لدى "المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية"(INITIATE) ، وهي منظمة شريكة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في مشروع تدعمه وكالة التنمية النمساوية، ويوفر سبل العيش الطارئة والحماية للنساء في جنوب لبنان. تشاركنا رشا معاناتها الشخصية مع النزوح أثناء التصعيد الأخير للنزاع، و الذي اشتد في نهاية أيلول/سبتمبر 2024 (أي قبل دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، وكيف حافظت على قوتها والتزامها تجاه عائلتها ومجتمعها وعملها.
«عندما اشتدت الحرب، احتاج ابني الأكبر، والذي كان يبلغ من العمر 14 عامًا آنذاك، إلى عملية جراحية عاجلة لإزالة جهاز تثبيت من ساقه بعد تسعة أشهر من العلاج. كانت العملية ضرورية كي يستعيد قدرته على المشي، ويتجنّب إعاقة طويلة الأمد. إلا أن توقيت العملية الجراحية تزامن مع حالة عصيبة من عدم الاستقرار والنزوح، مما فاقم من شدة وضعه المعقّد أصلاً.
اضطررنا إلى الفرار من منزلنا في جنوب لبنان، وانتقلنا إلى بيروت لإجراء العملية الجراحية. ولكن، بعد ليلة واحدة فقط أمضيناها في شقة مستأجرة، تذمّر الجيران من نزوحنا من الجنوب، وطلبوا منّا المغادرة. وجدنا ملاذًا مؤقتًا لدى أحد أقاربنا في منطقة أخرى من بيروت، مما أتاح لابني الخضوع للعملية الجراحية وبدء مرحلة التعافي.
بعد ذلك، انتقلنا إلى جبل لبنان، حيث مكثنا ثلاثة أسابيع. كانت المنطقة نائية، وتكلفة الإيجار مرتفعة على نحو لا يحتمل. في نهاية المطاف، انتقلنا إلى بلدة الدبيّة، في منطقة الشوف، وانضممنا إلى عائلة زوجي، النازحة هي أيضاً.

خلال عمليات النزوح المتعددة هذه، كان تحقيق التوازن بين احتياجات أسرتي والتزاماتي المهنية يتطلب تخطيطًا دقيقًا وترتيبًا للأولويات. قمتُ بإعداد قائمة منظمة للمهام التي يجب إنجازها، وتعاملتُ مع كل مهمة على حدة. فعندما كنتُ أتواجد مع عائلتي، كنت حاضرة بالكامل لأجلهم. وعندما كنتُ في وسط المجتمعات التي أعمل على خدمتها، كنت أبذل أقصى ما لديّ.
واصلت تقديم الدعم في مجال الصحة النفسية للمستفيدين من برنامج النقد مقابل العمل، في إطار المشروع نفسه، حتى بعد انتهاء ارتباطهم على نحو رسمي مع "المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية" (INITIATE).
كما أنني تلقيت تدريباً على يد أخصائي نفسي لتعزيز قدرتي على تدريب الآخرين، وتقديم جلسات التوعية على نحو فعّال. وكان هذا التدريب لا يقدر بثمن، فقد زودني بالأدوات اللازمة للتعامل مع مشاعري أثناء توجيه الآخرين. تعلّمت أن أستمع دون أن أستغرق في الألم، وأن أوجه الناس كي يتشبّثوا بالأمل.
فاقد الشيء لا يعطيه. علينا كاختصاصيات اجتماعيات أن نولي الأولويّة لصحتنا ورفاهيتنا، كي نتمكن من دعم الآخرين/الأخريات على نحو فعال.
عادة ما يعاني النازحون/ات من الخوف والقلق والتوتر وانعدام الأمن. وكثيراً ما تعاني الأسر من صعوبات في التواصل الفعّال، وقد تؤدي ضغوط النزوح إلى سوء الفهم والعزلة.
خلال جلسات التوعية، أتعامل مع هذه التحديات من خلال تعليم تقنيات إدارة التوتر، والتعبير العاطفي، وتقنيات التأريض. نخلق مساحة آمنة للمشاركين/ات ليتمكنوا/ن من مشاركة تجاربهم/ن. ففي بعض الأحيان، إنّ مجرد الاستماع إليهم/ن من شأنه أن يحدث فرقاً كبيراً».
استمد القوة من خلال مساعدة الآخرين
على الرغم من التحديات التي تعيشها، تجد رشا الراحة في دعم الآخرين. تقول رشا حيال ذلك: « لقد كان هذا العمل مصدر قوة وتحديًا في آن واحد. إن معايشة آلام الآخرين غالبًا ما تزيد من آلامي، ولكنها أيضًا تنمّي الإحساس بأننا نتحدّى الصعاب معاً. فمساعدة الآخرين تعطي لكفاحي معنًى وغاية.
إحدى التجارب الخاصة التي مررت بها كانت مع أم شابة، حامل في شهرها الثامن، وقد أثقل عليها النزوح. ذات يوم، تركت أطفالها وقضت ساعات في سيارة أجرة، غير قادرة على التكيّف مع الوضع. ولكن بفضل الثقة التي بنيناها، أجابت على مكالمتي. استمعت إليها بصبر، وتركتُها تعبّر عن ألمها دون أن أبدي رأيي في ما تعانيه. بعد ممارسة تقنيات التهدئة معًا، هدأت المرأة وعادت إلى أسرتها وبدأت في إعادة بناء حياتها، و فيما بعد أصبحت مصدر أمل للآخرين، وجلبت الفرح والإيجابية إلى مركز الإيواء.
أجد الراحة في دعم الآخرين. لقد كان هذا العمل مصدر قوة وتحديًا في آن واحد. إن معايشة آلام الآخرين غالبًا ما تزيد من آلامي، ولكنها أيضًا تنمّي الإحساس بأننا نتحدّى الصعاب معاً. فمساعدة الآخرين تعطي لكفاحي معنًى وغاية».