ركوب الدراجات من أجل العمل المناخي
التاريخ:
نديدا رعد، 34 عامًا، عضوة مؤسّسة في جمعيّةThe Chain Effect، وهي منظمة غير حكوميّة تروّج لاستخدام الدراجة الهوائية كوسيلة نقل في لبنان من خلال فنّ الشارع والمشاريع المجتمعية والتخطيط المدني. وتُعنى أيضًا بأزمة النقل المتزايدة والنقص في الأماكن العامّة. على مدى السنوات الماضية، جمعت فعاليات "درّجها عالشغل"، التي نظّمتها الجمعيّة، المئات من المشاركات والمشاركين.
نديدا رعد، أمام إحدى جداريات جمعيّةThe Chain Effect. الصورة: هيئة الأمم المتحدة للمرأة/لورين روني.
عندما انتقلت نديدا في عام 2008 من طرابلس إلى بيروت لدراسة الماجستير في الهندسة الكهربائية وهندسة الكمبيوتر، لم تدرك أنها ستبدأ رحلة مشوّقة تتعلّق بالترويج لركوب الدراجات الهوائية. وقالت: "يمكن أن يكون التنقل في بيروت أمرًا صعبًا للغاية، فالطرقات مزدحمة باستمرار بسبب حركة المرور الكثيفة أمّا وسائل النقل العام فلا يمكن الاعتماد عليها. أذكر أنّه، وفي أحد الأيّام، اضطررت لإحضار طرد من وسط بيروت. فتوجّهت إلى هناك بالدراجة الهوائية لأنّها كانت آنذاك الوسيلة الأسرع والأسهل. كانت تلك المرّة الأولى التي أستخدم فيها الدراجة للتنقل، لهذا السبب لم يكن معي قفل للدراجة. عندما وصلت إلى وجهتي، وافق أحد أصحاب المحال التجارية وبكلّ سرور على مراقبة دراجتي، فاندهشت بدعم الناس الذين شاهدوني أتنقل على الدراجة الهوائية".
أمضت نديدا سنوات عديدة تشجّع جميع الأشخاص في محيطها على اعتماد الدراجات الهوائية كوسيلة نقل. فور تعرّفها على زينة حوّا وإيلينا حداد، علمت أنّها مستعدة للمضيّ قدماً بهذه المبادرة.
فشاركت الفتيات الثلاث في تأسيس The Chain Effectعام 2014، وهي منظمة غير حكومية تمّ تسجيلها قانونيًا في العام 2019. وأوضحت نديدا أنّ The Chain Effect كانت في البداية فكرة زينة وإيلينا للترويج لركوب الدراجات من خلال الفن. وأضافت: "بعد أن درست كلاهما في أوروبا وتنقّلتا بالدرّاجة الهوائية، أرادتا إدخال المفهوم نفسه إلى لبنان".
وأوضحت نديدا أنّ الجمعيّة تستخدم فنّ الشارع لإطلاق النقاش حول ركوب الدراجات الهوائية في المدينة. وأتمّت زينة وإيلينا أوّل رسم على جدارٍ في عين المريسة حيث نقرأ: "إذا ركبتم الدراجة، ستصلون بشكل أسرع". اكتملت اللوحة الجدارية قبل أيام قليلة من انطلاق ماراثون بيروت، وحظيت باهتمام كبير من المتسابقين الذين مروا بالقرب منها.
إنّ فريق عمل الجمعيّة شغوف جدًا. "لدينا جميعًا وظائف بدوام كامل، لكننا نحاول التوفيق بين العمل والتطوع،" قالت نديدا. "خلال السنوات القليلة الماضية، كنت أعمل لغاية الساعة 8 مساءً، لكنّ التزامي بقضية The Chain Effect كان أقوى بحيث دفعني للاستيقاظ الساعة 5 صباحًا والتوجّه إلى موقع جديد لأرسم لوحة جدارية مع زملائي في الفريق. وكنت أعود إلى المنزل بحلول الساعة 7 صباحًا، استحم وارتدي ملابسي للذهاب إلى العمل. كنّا نصنع فرقًا وأنا فخورةُ حقًا بأن أكون جزءًا من هذه المغامرة ".
شارك مئتا شخص في النسخة الأولى من فعالية "درّجها عالشغل" الذي نظّمته الجمعية في عام 2017، وهو حدث سنوي يتمّ خلاله تشجيع سكان بيروت وطرابلس ومدن أخرى على استخدام دراجاتهم الهوائية بدلاً من السيارات للذهاب إلى العمل. "قدم العديد من أصحاب المتاجر المخصّصة لتأجير الدراجات الهوائية عدداً من الدراجات المجانية للمشاركين في هذا اليوم، وساهمت المقاهي بتقديم القهوة ووجبات خفيفة مجانًا، بينما قمنا نحن بتغطية تكاليف طباعة الإعلانات".
في العام التالي، قامت الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU) بتمويل هذه الفعالية ووزّعت الدعوة على طلابها، حيث شارك 650 طالباً وطالبةً. أمّا فعالية "ركوب الدراجة الهوائية الى العمل" للعام 2019، فتمّت أيضاُ بالشراكة مع الجامعة عينها وبرعاية سفارة سويسرا في بيروت. وشارك فيها وزير البيئة ورئيس بلدية بيروت وعدد من النواب والسفراء إلى جانب 800 مشارك ومشاركة. تكلّلت الفعالية بالنجاح ولفتت انتباه محطات تلفزيونية محليّة". "كان من الرائع حقًا رؤية الكثير من الناس في بيروت وهم يتنقلون على الدراجة... وكنّا نتطلع بشدة إلى تنظم النسخات اللاحقة للفعالية، لكنّ جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان حالت دون ذلك".
تُؤمن جمعيّة The Chain Effect أنّ الشركات والمؤسسات المحلية في وسعها أن تساعد في تعزيز ركوب الدراجات. "التقينا العديد من الشركات وطرحنا فكرة "ركوب الدراجة الهوائية الى العمل" وطلبنا منهم تشجيع موظفيهم على الانتقال إلى العمل بالدراجة الهوائية من خلال توفير مواقف آمنة للدراجات ووضع الخزائن والحمامات للاستحمام. تحمّست بعض الشركات وأرسلت رسائل إلكترونية إلى موظفيها لتشجيعهم على اعتماد الدراجة الهوائية كوسيلة نقل، أمّا البعض الآخر فرفض الفكرة رفضاً تامّاً معتبراُ أنّ الموظفين سيصلون متعرّقين ومنهكين للغاية بحيث لن يتسنَّ لهم/ن العمل. تبيّن لنا أنّ عددا لا بأس به من أرباب العمل اعتبروا أنّ الفكرة مضيعة للوقت والمال،" أشارت نديدا.
"إنّ خلق ثقافة ركوب الدراجات يتطلب مشاركة المجتمع، والأطفال جزء من هذا المجتمع. فهم المستقبل. لذلك، فإن عملنا ينطوي على تنظيم ورش عمل للأطفال. لقد عملنا مع العديد من المنظمات غير الحكومية المتخصصة في تمكين الأطفال وتعليمهم ليصبحوا مواطنين أفضل، من خلال تعليمهم كيفية ركوب الدراجات الهوائية وكيفية نفخ الإطارات وإصلاحها، ورسم جداريات في أحيائهم تتعلّق بالدراجات. هذا الأمر يخلق بين الأطفال وبيئتهم إحساسًا بالمسؤولية والاهتمام".
تعتقد نديدا أنّ لبنان بحاجة إلى تخطيط مدني أفضل، ووسائل نقل عام أفضل، فضلاً عن شوارع صديقة للدراجات الهوائية، وصديقة للأشخاص ذوي الإرادة الصلبة، وصديقة للبيئة. وقالت: "نحتاج أيضاً إلى مناشدة الدولة لتشييد بنية تحتية ملائمة للدراجات الهوائية، وتوفير المزيد من الممرات المخصّصة لها، أو مسارات مخصصة منفصلة عن الطرقات والأرصفة، وكلّ ذلك بهدف تشجيع ركوب الدراجات الهوائية كوسيلة بديلة للنقل. عندها فقط ستسعى السلطات والمدن إلى تطوير تخطيطها المدني والاعتراف بسائقي الدراجات".
يبدو أنّ نديدا على دراية بالتحديات المناخيّة التي تواجهنا. تساءلت: "ما العالم الذي نجلب أطفالنا إليه؟" يجب أن نبدأ بالتغيير على صعيد فردي. لذلك نحن بحاجة للعمل الآن قبل فوات الأوان. دعونا نمتنع إذاً عن رمي المناديل من نافذة السيارة، دعونا نقلّص استخدامنا للأكياس البلاستيكية – أنا شخصياً أحمل حقيبة التسوق معي وأقوم بإعادة التدوير - دعونا نتبنّى ونعزّز خيارات التنقل الصديقة للبيئة، مثل المشي (إذا أمكن)، أو ركوب الدراجات، أو استخدام الحافلة أو حتى نظام تقاسم ركوب السيارات".
على الرغم من الأزمات المتفاقمة في لبنان، لا يزال بإمكاننا أن نكون مواطنين مسؤولين بيئيًا. وختمت بالقول: "كم سيكون رائعاً أن نساهم في جعل كوكب الأرض أكثر نظافة وصحة؟"