فاطمة: "النساء يفهمن الأرض بطريقةٍ لا يفهمها الرجال"

التاريخ:

هذا المقال الصحفي المصور هو جزء من تحليل النوع الاجتماعي الذي أُجري في إطار برنامج الأمم المتحدة لتنمية القطاع الإنتاجي (PSDP). يتناول المقال الحياة اليومية والمسؤوليات العمليّة والرعائيّة للنساء العاملات في سلسلة قيمة الفواكه والخضروات في شمال لبنان.

بدعم من "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، استفادت فاطمة من تدريب حول المهارات الشخصيّة في إطار برنامج الأمم المتحدة لتنمية القطاع الإنتاجي، الممول من قبل الحكومة الكندية والمنفّذ من قبل ست وكالات تابعة للأمم المتحدة: منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسيف، ومنظمة العمل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

alt text
فاطمة، الضنّية، 2022. الصورة: غبريال فرنيني

لطالما حاول المجتمع الذكوري الوقوف في طريقي وطريق النساء الأخريات في هذا البلد. ولكنّني لم أستسلِم. أريد أن أتعلَّم عن كل شيء، وأريد أن أستمرَّ في تطوير نفسي [...]. والآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، أريد أن أفهم كيف يمكنني الاستفادة من الفرص المُتاحة في قطاع الزراعة في البلاد." - فاطمة

alt text
فاطمة، الضنّية، 2022. الصورة: غبريال فرنيني

تقف فاطمة مرفوعة الرأس على طريقٍ قصيرٍ في الخارج. ينسكب الضوء على وجهها، راقصاً بين أشجار الحمضيات وأزهار حميض الخشب الأصفر خلفها. يؤدي الطريق إلى قطعة أرضٍ تعود لعائلتها في بلدة المنية، وهي مساحةٌ من الأرض تعمل فاطمة عليها منذ سنوات.

 

"هذه الأرض أرض أجدادي،" قالت فاطمة، وأضافت: "كان جدي والد أمّي مزارعاً في عكار، وتعلّمنا منه الكثير. أحبُّ التركيز على الأشياء الصغيرة: رائحة الخيار العضوي، وكيفية زراعة البامية، والطريقة الأكثر حساسية لعصر الزيتون، والنوع الأفضل من إكليل الجبل." بعد وقوع الأزمة الاقتصادية، بدأت عائلة فاطمة في استخدام الأرض كشكلٍ من أشكال الاكتفاء الذاتي. "سابقاً، كانت مجرّد قطعة أرض مشتركة استخدمناها بتروٍّ. ولكن عندما لاحظنا امكانية نفاد الطعام لدينا بسبب الأوضاع في لبنان، أدركنا أنه أصبح علينا التفكير في الأرض على أنها مشروع زراعي لمدى الحياة."

 

فاطمة هي الأكبر سنّاً بين عشرة أشقّاء. لقد تزوجَت في سن السادسة عشرة وتطلَّقت بعد عدّة سنوات. منذ عودتها إلى منزل والديها في المنية، بدأت تعمل على تطوير نفسها دون توقُّف. ابتسمت قائلةً: "إذا كان عليّ أن أصف نفسي بكلمةٍ واحدةٍ، فسأقول أنني طموحة. إنني امرأةٌ لا تهدأ: أسعى دائماً إلى تطوير نفسي لأصلَ إلى نسخةٍ أفضل من نفسي." أخبرتنا أن والدتها فخورةً بها بشكلٍ لا يوصَف. "لا أعرف كيف يمكنني تفسير ذلك، ولكن والدتي تشعر أنني أنجزتُ الكثير من الأمور التي ربما كانت ترغب هي في إنجازها عندما كانت أصغر سناً. يمنحني ذلك شعوراً بالقوة."

 

لقد نالَت شهادة البكالوريوس في الحقوق، ثم شهادة دراسات عُليا في الأدب الإنجليزي من الجامعة اللّبنانية. وحصلت كذلك على دبلومات وشهادات في مجالات المحاسبة والصحافة والتدريب. "أريد أن أتمتّع بقدراتٍ متنوِّعة. أنا أحب اللّغات والأرقام. أحب الجانب العملي، ولكنني أحب الجانب النظري أيضاً."

alt text
فاطمة، الضنّية، 2022. الصورة: غبريال فرنيني

لقد غيَّرت الأزمة الاقتصادية كل شيء. "يتعرَّض الإنسان للإهانة في هذا البلد. إن الانتظار في طابور للحصول على منتجات الألبان أو الخبز أو أي شيء يُشعرُك بالإحباط الشديد. لا أريد ذلك لي أو لعائلتي، أريد أن نشعر بالأمان." لهذا السبب، حاولت فاطمة خلال العام الماضي أن تأخذ العمل الزراعي بجديّة أكبر. "لم أعُد أرغب في زراعة الخضار فحسب، بل وضعتُ خططاً للتوسُّع بشكلٍ أكبر."

 

ولكن فاطمة ليست متأكدة تماماً من الخطوة التالية التي يجب أن تتّخذها. لقد كانت تتقدّم للمشاركة في الدورات التدريبية وورش العمل مع البلديات والمنظّمات الدولية والمراكز المجتمعية على أمل تكوين العلاقات والوصول إلى الموارد اللّازمة للشروع في العمل. إنها مهتمة بصنع المونة من الخضار والفواكه العضوية وإيجاد سوق لبيع موادها الغذائية فيه. "إنني أحلم بذلك منذ فترة - لقد جربت الأمر بمفردي في المنزل، حيث كنت أصنع الزعتر والكشك والمخلّلات والشنكليش وأنواع أخرى من المونة." وهي تهتم كذلك بمعرفة المزيد حول تربية النحل، فضلاً عن الأساليب والتقنيات المُبتكرة والحديثة في مجال الزراعة.

 

ثمة عوائق عديدة: مشاكل في التنقُّل بسبب أزمة الوقود، وسلاسل التوريد المُجزّأة، والافتقار إلى رأس المال اللّازم لتوسيع العمل. "قد تُشارك أحياناً في مئات الجلسات التدريبية، ولكن إذا لم يتوفّر لك الدعم الملائم للحصول على وظيفة أو بناء العلاقات الصحيحة، فقد لا يؤدي ذلك إلى شيء." هذه بالتحديد هي المشكلة التي تواجهها فاطمة: الشعور بأنها تحاول المشاركة والاندماج على أرض الواقع ولكنّها مع ذلك لا تستطيع العثور على المساحة القادرة على تقدير جهودها.

 

وهي تشعر بذلك أيضاً حيال المُساواة المبنية على النوع الاجتماعي. "لم أشعر يوماً بأنني مُقيَّدة لكوني امرأة. بل بالعكس - أشعر بالقوة والثقة، فأنا أعرف قدراتي. المشكلة هي أن المجتمع الذي يحيط بي هو مجتمع ذكوري بامتياز وهو لا يشعر بالراحة تجاه التغيير." وترفض فاطمة فكرة هيمنة الذكور على قطاع الزراعة، وتقول إن إلقاء نظرة عن كثب كفيلة بتوضيح مدى مشاركة المرأة في هذا القطاع. "النساء يفهمن الأرض بطريقةٍ لا يفهمها الرجال؛ هنّ يزرعن ويحصدن وينتجن. لقد رأيت نساءً كثيرات في المنية والضنّية يفعلن ذلك. النساء قادرات حتى على البدء في قيادة الشاحنات والتعشيب، بالطبع يمكنهنّ فعل ذلك. سيفعلنَ ذلك قريباً، انتظر وسترى."

 

أخبرتنا فاطمة أنها تحب روايات ما بعد الحداثة والروايات المعاصرة، وكذلك الروايات الموازية أو "المُعاد تصوُّرها" – أي الأعمال التي تُعيد خلق قصة أو حبكة أو شخصية في إحدى الروايات القديمة. "تُمكّنك اللّغة من خلق وقائع بديلة والتعبير عن نفسك بطرقٍ مختلفة."

 

تقف فاطمة على مفترق طرقٍ في حياتها الآن. لقد أمضت سنوات محاوِلةً استكشاف مختلف المجالات؛ وفكَّرت في خيارات وظيفية مختلفة. "المشكلة هي أنه بالرغم من حجم المجهود الذي أبذله، تفتقر المنية، وحتى شمال لبنان بأكمله، إلى سوق عمل. هذا الشعور بأن النساء الموهوبات موجودات ولكنهنّ غير قادرات على إيجاد المساحة المناسبة لهنّ هو أمرٌ صعب."

alt text
فاطمة، الضنّية، 2022. الصورة: غبريال فرنيني

*هذا المقال هو الثاني من بين أربع مقالات صحفية مصورة يتم سردها من منظور مجموعة من النساء العاملات في سلاسل القيمة الزراعية والغذائية في شمال لبنان. تروي المقالات كيف يتعاملن مع التحديات الجديدة المنبثقة من الأزمات المستجدة ومع الفرص المحتملة التي نتجت عن هذه التحديات، وكيف تبدّل هذه التغييرات، على نحو تدريجي، المعايير المتعلّقة بالنوع الاجتماعي في المجتمعات الريفية.