في ظل النزاع المسلّح، اللبنانيات النازحات يَنتَظِمن بفعالية في مراكز الإيواء
التاريخ:
حكايات النزوح
الحمل مرحلة صعبة، فكيف إذا اقترنت بالخوف وخطر التعرّض للقصف؟ لهذا السبب، حين اشتدّ النزاع المسلّح في كفرصير – النبطية، جنوبي لبنان، الشهر الماضي، اتّخذت لمى الشامي، الأم الحامل البالغة من العمر 29 عامًا، القرار الشجاع بالنزوح مع عائلتها.
تقول بنبرة يملؤها التحدّي: "نحن كنساء قويّات، لن تكسرنا الحرب".

لم يكن قرار اقتلاع عائلتها من جذورها سهلاً بالنسبة لها، فقد اختبرت النزوح خلال حرب 2006[1] عندما كانت طفلة ويومذاك، لجأت وعائلتها إلى جبل لبنان.
توضح الشامي: غادرنا "[هذه المرة مع زوجي وابني] على وقع القصف والتهديدات، تاركين وراءنا عمراً من الذكريات والأمان، على أمل أن نمنح طفلنا حتى ولو فرصة ضئيلة بألاّ يواجه مصير أطفال غزة". وتضيف: "أتمنّى ألا يولد طفلي وسط نيران الحرب".
بعد رحلة شاقة استمرت 15 ساعة، وجدت الشامي مأوى في بيت الضيافة "أوبرج بيتي" في كفرذبيان، شمال شرق بيروت. كان بيت الضيافة في الأصل مخصصًا للسياح والسائحات وتديره جمعية بيتي، الشريكة لصندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني بدعم تقني من هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهو واحد من بين 1,015 مدرسة وموقع آخر تم تخصيصهم ليصيروا مراكز إيواء جماعية.
وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن هناك 834,746 نازحًا داخليًا في لبنان حتى 28 تشرين الأول/ أكتوبر، يعيش حوالي ربعهم (189,151) في مراكز إيواء جماعيّة مكتظة.

تقول الشامي: "النزوح صعب للغاية – يشعر الشخص وكأنه فقد كرامته". وتضيف: " يتحمل النساء العبء الأكبر للنزوح، يعتنين بالعائلة كلّها، ويصمدن بصمت ويبقين قويّات من أجل أطفالهن. النساء هنّ عمود الأسرة الفقري، وإذا سقطن، يسقط الجميع معهن. هذا ما يمنعني من الانهيار".
تشير إلى أن الدعم النفسي الذي يتلقاه النازحون والنازحات من جمعية بيتي ومنظمة Mind Mend الشريكة، عزّز صمودها ومكّنها من أداء دور فعّال في المركز.
تقول: "أجريت، مع نساء أخريات، تقييمًا لاحتياجات النازحين والنازحات لمساعدة جمعية بيتي في مواجهة العبء الثقيل".
"المشاركة في هذه الأنشطة تمنحني القوة والدافع لتعزيز دوري في الاستجابة. إنها تجعلني أشعر بأني لست مجرد ضحية للحرب، بل مساهمة نشطة في دعم الآخرين والأخريات، مثل العديد من النساء اللواتي غالبًا تظلّ أصواتهن غير مسموعة".
بالإضافة إلى رعاية مولودها، تخطّط الشامي لتعزيز دور النساء في القيادة، لا سيما بعد انتهاء الحرب.
وتقول: "النساء لديهن القوة لإعادة بناء لبنان وشعبه واقتصاده". وتضيف: "سيكون مشروعي بعد الحرب هو تدريب النساء على القيادة وتضييق الفجوات داخل المجتمع اللبناني... سنستمر في العمل لإعادة بناء لبنان وجعله أجمل من أي وقت مضى".
عفاف شعيب
عفاف شعيب، أم لطفلين تبلغ من العمر 29 عامًا، أُجبرت على ترك منزلها في بعلبك، شمال شرق لبنان، ووصلت مع زوجها وأطفالها إلى بيت الضيافة أوبرج بيتي قبل شهر في منتصف الليل.
ومثل الشامي، نزحت شعيب أيضًا خلال حرب 2006، حيث لجأت أسرتها مؤقتًا إلى سوريا. وتعتقد أنها طورت آليات للتأقلم مع الأمر، "لكن، مهما تكرّرت حالات النزوح، لا يصبح الأمر أسهل".
وتضيف أن تأثير النزوح على وضعهم الاقتصادي كان كبيرًا. فقد ترك زوجها عمله، وأصبحت هي المعيلة الوحيدة للأسرة بفضل دخلها من منظمة غير حكومية محلية، التي تواصل العمل معها عن بُعد.
تروي شعيب: "وضعنا المالي صعب للغاية، لكن عملي أنقذ عائلتنا. في أوقات كهذه، تدرك مدى أهمية أن يكون للمرأة دور ووظيفة ودخل. عائلتي تقدّر عملي الآن أكثر من أي وقت مضى".

وتقول إنها لاقت ترحيباً كبيراً في بيت الضيافة "أوبرج بيتي"، وقدم لها بالإضافة إلى المأوى، الطعام والماء والتدفئة وأنشطة تساعد النازحين والأطفال على التعافي والتعامل مع الصدمة.
وكما هو حال الشامي، لعبت شعيب دورًا نشطًا في إدارة المأوى، حيث أعدّت استمارة لتقييم الاحتياجات، وجهّزت جلسات توعية للأطفال والبالغين.
تقول شعيب: "لم نعد نشعر بأننا نازحون أو نازحات عاجزون وعاجزات، بل مشاركون ومشاركات نشطون ونشيطات في الاستجابة". وتضيف: "نشعر أن وجودنا ذا جدوى. والحال أنني أعددت جدولًا لتوزيع المسؤوليات بين العائلات لضمان مشاركة الجميع ومنع النزاعات".
ترى شعيب أن أدوار النساء محورية في الاستجابة للأزمة الحالية وما بعدها: "يجب أن تقود النساء عملية تعافي لبنان وإعادة بناء المجتمع بعد الحرب. أعتزم التركيز على تمكين النساء اقتصاديًا بعد الحرب، لأنهن أفضل صانعات للسلام وقائدات للمجتمع".
التضامن في وجه المحن
تقول سابين نعمة، المتطوعة في جمعية بيتي، إن تحويل بيت للضيافة إلى مركز إيواء جماعي في غضون أيام قليلة وبموارد محدودة لم يكن سهلاً، لكنهم نجحوا في ذلك لأن رفض استقبال الناس المحتاجين لم يكن خيارًا مطروحًا.
وتضيف: " كان التضامن الذي أظهره المجتمع المضيف مذهلًا، لكن دعم جمعيتنا من الهيئات المحلية والدولية كان محدوداً، ما يجعل من الصعب تلبية الاحتياجات هنا. نحن نبذل قصارى جهدنا لمعرفة كيفية الاستمرار في تقديم هذا الدعم".
وتشير نعمة إلى أن المتطوعين والمتطوعات ينظمون جلسات توعية وعلاج بالموسيقى وأنشطة أخرى لرفع الروح المعنوية، بالإضافة إلى تشكيل مجموعة دعم لمساعدة بعضهم البعض.
وتقول: "يلعب النساء دورًا حاسمًا في هذه الاستجابة، وآمل حقًا أن يلعب اللبنانيات أدوارًا أكبر في الحياة العامة في المستقبل، لأنهن صانعات سلام بالفطرة".
[1] أدت الحرب التي استمرت لمدة شهر بين إسرائيل وحزب الله في تموز /يوليو 2006 إلى صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنشأ "الخط الأزرق" بطول 120 كيلومتراً بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان، وأذن لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بالتدخل في حال وجود أي عبور عبر الأرض أو الجوّ.